لقد عادت الحياة إلى طبيعتها الآن..! هكذا يعتقد الحاج فارس غني السلمان، ويستدرك بالقول هناك في جسد وروح ترك العنف الطائفي فيهما أثر لا يمحى وكاد يحرق الأخضر واليابس، وترك خلفه مآسي كثيرة، ويضيف السلمان وهو يرينا ما تركته تلك الأحداث على جسده "صحيح أن الأوضاع صارت أهدأ الآن وعدنا لممارسة طقوسنا الدينية بحرية، إلا أن حذرنا مازال على أشده".
ويكشف السلمان(مدرس متقاعد 50 سنة)، الذي كان يحضر مجلس عزاء في إحدى حسينيات الضواحي الشمالية لمدينة بعقوبة أنه أصيب بـ"جروح بالغة" في ساعده الأيمن وفي رقبته عام 2006، بعد إطلاق النار عليه من قبل قناص، عندما كان يحاول رفع رايات وصور دينية إحياء لذكرى عاشوراء فوق منزله.
ويضيف السلمان في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "القاعدة وبقية التنظيمات الإسلامية المتطرفة كانت تحرّم إقامة الشعائر الدينية للطائفة الشيعية وتعتبرها بدعة وتعاقب عليها بقسوة"، مبينا أن "أي شخص يرفع راية أو صوراً دينية في عاشوراء كان مصيره القتل وحرق المنزل، وهذه إحدى فتاوى القاعدة التي طبقتها على الكثير من العوائل آنذاك".
ويلفت السلمان إلى أن "الأجواء الأمنية تغيرت بشكل كبير عما كانت عليه في الماضي، وهناك أمن واستقرار وحرية في إقامة الشعائر الدينية، كما أن الجميع يشارك فيها الآن سنة وشيعة". ويستدرك السلمان قائلا "أنا أروي في كل عاشوراء ما أصابني لأحفادي لكي يعرفوا جيدا معنى أن يكون الإنسان متطرفا وكيف تتسمم الحياة بعد ذلك".
كيف حولت القاعدة طفلا إلى مأدبةأما حارس المدرسة في منطقة التحرير، نحو 3 كلم جنوب بعقوبة، فيستذكر كيف أقدمت عناصر القاعدة على فعل شنيع عندما تحدت إحدى الأسر فتوى أصدرها تنظيمهم في عام 2006 بمنع إحياء ذكرى عاشوراء ويقول إن "رد عناصر القاعدة كان قاسياً ولا يمكن وصفه، إذ قاموا بخطف طفل لا يتجاوز عمره خمسة أعوام فقتلوه ووضعوه في قدر كبير وجعله بمثابة مأدبة طعام ورمي أمام منزل ذويه".
ويشير عبد الحميد معلا السعيدي، وهو رب أسرة مهجرة مؤلفة من سبعة أشخاص عادت قبل عام إلى منزلها، إلى أن "الأمن تحقق بنسب جيدة، لكننا مع هذا نمارس الطقوس الدينية بحذر ويقظة لأن من يحملون فكر التطرف لم ينته أمرهم تماما وهم يظهرون كلما سنحت لهم الفرصة".
من جهتها، تروي الحاجة نبيلة حمد زغير (51 سنة) من منطقة السراي، 4 كلم شمال بعقوبة، كيف تعرضت جارتها الشيعية إلى ضرب مبرح من قبل عناصر القاعدة عندما كانت تقوم برفع أعلام ورايات دينية إحياء لذكرى عاشوراء عام 2006 فتقول "كدت أفقد حياتي حين أسرعت ورميت بنفسي على جارتي لأتلقى بدلا عنها ضربات موجعة ولولا عناية الله لفتك بنا عناصر القاعدة". وتتابع الحاجة نبيلة في حديث لـ "السومرية نيوز" "آنذاك امتزج دمي مع دم جارتي من شدة الضرب، وها نحن اليوم نحيي معاً المناسبات الدينية ونطعم الفقراء ولا فرق بين المذاهب أبدا".
مناسبة لتوحيد الصفوفويقول إمام وخطيب مسجد في جنوب غرب بعقوبة ويدعى كريم حسن الجبوري (سني) إن "التطرف لم يعرفه المجتمع العراقي في ديالى أبداً وما حدث من عنف طائفي خلال السنوات القليلة الماضية هو أجندة خارجية مدعومة من جهات داخلية ترى في تمزيق النسيج الاجتماعي هدفاً يمكنها من خلاله إضعاف البلد".
ويضيف الجبوري في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "القاعدة وزعت بطشها وقتلها البربري بالتساوي على جميع أبناء المحافظة"، مشيراً إلى أن "جميع الطقوس الدينية سواء أكانت للشيعة أو للسنة جرى تحريمها باعتبارها لا تتلاءم مع فكر القاعدة المتطرف".
ويتابع الجبوري إن "الأحوال تغيرت الآن وأصبح الجميع يعي ما حصل، فاليوم نحضر مجالس العزاء الحسيني ونشارك فيه لأننا أبناء دين واحد".
من جانبه، يقول إمام وخطيب حسينية في الضواحي الشمالية لمدينة بعقوبة، الشيخ محمد عبد الرحمن الزبيدي إن "مظاهر الحياة وإقامة المناسبات الدينية عادت من جديد بعدما كانت محرمة بسبب الجماعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة"، موضحاً أن "القاعدة دمرت حينها أغلب الحسينيات في بعقوبة، لكن الجهود الخيرة تعاونت في إعادة بنائها وأثمرت عن إعمار الكثير منها". ويلفت الزبيدي إلى أن "إحياء المناسبات الدينية أمر مهم لأنها أصبحت وسيلة لتوحيد الصفوف ونبذ الفرقة والدعوة إلى المحبة والتراحم بين الجميع".
سنقطع الطريق على المتطرفين
ويؤكد الناطق الإعلامي باسم قيادة شرطة المحافظة الرائد غالب عطية في حديث لـ" السومرية نيوز"، أن "السنوات الثلاثة الماضية كانت صعبة للغاية على الجميع دون استثناء. وكانت المناسبات الدينية لجميع الطوائف مستهدفة من قبل القاعدة، لكن الوضع الأمني تغير الآن بالاتجاه الصحيح".
ويضيف العطية أن "الأجهزة الأمنية وضعت خططا مشددة لتأمين كافة المناسبات الدينية التي تقام في شهر محرم وقطع الطريق على المتطرفين ممن يحاولون استهداف الأبرياء".
يذكر أن مناطق محدودة داخل مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، 55 كلم شمال شرق بغداد، تمكنت خلال السنوات الثلاثة الماضية من إقامة الشعائر الدينية الخاصة بإحياء ذكرى عاشوراء، ولعل أبرزها مناطق الهويدر، وخرنابات، نحو 10كلم شمال بعقوبة، إذ أن القاعدة فرضت سيطرتها على بقية المناطق وأصدرت فتوى آنذاك حرمت بموجبها إقامة أي شعائر دينية سواء للسنة أو الشيعة واعتبرتها بدعاً يحق لها معاقبة من يؤديها.
https://telegram.me/buratha