قال سماحة السيد عمار الحكيم " حينما نتحدث عن تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة فاننا نتحدث عن مشروع حسيني تجسّد في حركته وثورته المعطاء ، لان الحسين مدرسة لاتزال دروسها تنفع بناء مجتمعاتنا وترفد واقعنا ، من يريد أن يختزل شخصية الإمام الحسين في حدث تاريخي معين يكون قد أساء للحسين (ع) ومن يريد ان ينظر للحسين على انه الحقيقة المتجددة في كل زمان ومكان فقد نظر للحسين بما هو حقّه "
جاء ذلك في كلمة سماحته في مجلس العزاء الذي أقامه المكتب الخاص لسماحة السيد الحكيم الأربعاء 23/12/2009. والذي توافدت عليه مواكب العزاء التي جاءت من مختلف مناطق بغداد العاصمة وقد أشاد الخطباء بالبطولة التي سطرها أصحاب الأمام الحسين (ع) لا سيّما أبي الفضل العباس (ع) الذي سطر أحدى حالات الشجاعة والتضحية من أجل المباديء والقيم الدينية والإنسانية .وجاء في كلمة سماحته .....
" تحدثنا في كلمة سابقة عن السر في اختيار العراق كمحطة للثورة الحسينية بالرغم من وجود بلدان عديدة كانت قد انفتحت على الإسلام وتواصلت وتأثرت بالرسالة الإسلامية الاّ أن الحسين (ع) توجّه نحو العراق ، اختار العراق ليكون المحطة التي ينطلق منها في ثورته فلماذا يختار العراق ،ولماذا أهل العراق هم من راسل الحسين (ع) دون غيرهم من المسلمين في البلدان الإسلامية الواسعة والعريضة ، هناك خصوصية وأهمية للعراق فيما يرتبط بتبني مشروع أهل البيت (ع) ، العراق وشعبه تصدوا لهذه المهمة وتحملوا المسؤولية في تاريخهم الطويل حفاظاً على الإسلام وتكريساً للرسالة الإسلامية وترسيخاً لقيم أهل البيت (ع) ، دوماً كان للعراق الدور الكبير والتأثير الواسع في مجمل المجريات التي حصلت وان هذا النهج استمر حتى ثورة العشرين مطلع القرن الماضي والاحتلال البريطاني والذي كان للعراقيين الدور الكبير والأساسي في مواجهة الغزاة البريطانيين ليس في العراق وحده بل في المنطقة برمتها ، كان الشعب العراقي هو الشعب الأول الذي تصدى للاحتلال آنذاك . وحينما تشكلت ما يطلق عليها بالسلطة الوطنية والتي كانت خاضعة لتأثير البريطانيين لم يكافأ المؤمنون والعلماء من أبناء الشعب العراقي لوقفتهم في مواجهة المحتل وإنما عوقب علماءهم ومراجعهم وهجّر عدد من أولئك المراجع كالشيخ الطرفي والسيد أبو الحسن الأصفهاني والميرزا النائيني وغيرهم ،حيث نفوا وهجروا من العراق وأخذت تعهدات والتزامات من سائر العلماء الذين بقوا في النجف الاشرف لئلا يتدخلوا في السياسية وبدأت عملية واسعة لإيجاد ثقافة جديدة عند أتباع ومحبي أهل البيت (ع) هي بان السياسة قضية غير مناسبة ودفع محبي أهل البيت (ع) لان يكونوا مهندسين او أطباء ولا يفكروا في أن يكونوا سياسيين وحتى الذين انخرطوا ضمن أحزاب يمينية ويسارية كما في المد الأحمر الذي واجهناه في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، كما كان النشاط السياسي ليس من فكرة ورؤية يتبناها وانما انطلاقاً من أيديولوجيات تلك الأحزاب اليمينية واليسارية وترسخت هذه الحالة ، (الزهد بالحالة السياسية والعمل الاجتماعي) حتى جاءت مرجعية الامام الحكيم (قده) وقوة هذه المرجعية في منتصف الستينات من القرن الماضي حيث واجه الإمام الحكيم هذه الظاهرة وواجه ثلاث مشاكل رئيسية ...
الاولى : هي حالة الانعزال عن ممارسة العمل السياسي والمطالبة بالحقوق والحضور الفاعل في الساحة الاجتماعية والسياسية في العراق .المشكلة الثانية : هو الانخفاض في مستوى الوعي الديني والثقافة الدينية وقلة عدد العلماء المتصدين لنشر الوعي والهدى بين الناس في مختلف المحافظات .المشكلة الثالثة : هو انخفاض روح التضحية والتصدي وتحمل المسؤولية تجاه الناس .الامام الحكيم (قده) في ظل مرجعيته حاول معالجة هذه المشاكل الثلاث .على المستوى الاول حاول ان يحول الاحتفالات الدينية من مواليد ووفيات لائمة اهل البيت (ع) الى مسرح لممارسة الوعي السياسي والرؤية السياسية والمطالبة بالحقوق والقضايا التي تهم الأمة ، وأخذت هذه الاحتفالات طابعاً مميزاً لاول مرة ويشارك فيها الالوف من الناس ويطرح الادباء والشعراء والخطباء افكار ذات مضامين سياسية واضحة تتحدث عن معاناة أبناء الشعب العراقي وبدا الناس ينشدّون لهذا الواقع الجديد .على مستوى المشكلة الثانية فقد أرسل الامام الحكيم عدداً كبيراً من الوكلاء ولم يكن متداولاً ارسال المراجع لوكلاء كبار ليستقروا في مناطق معينة الا نادراً ، واوجد شبكة من الوكلاء في ذلك الوقت ، فآية الله المرحوم محمد مهدي شمس الدين ارسله الامام الحكيم الى قضاء الشامية وآية الله العظمى السيد جواد التبريزي ارسله الى كركوك وقائمة طويلة من العلماء والشخصيات الذين ارسلهم الامام الحكيم الى المناطق العراقية وكان لهم الدور الكبير في رفع مستوى الوعي والثقافة الدينية . اضافة لانشاء المكتبات العامة والتي كانت تمثل رافداً ومحطة ليس للقراءة والمعرفة فقط وانما تحولت الى محطات لتعبئة الشباب المؤمن الغيور على وطنه ورسالته ومشروعه .وعلى مستوى المشكلة الثالثة وانخفاض روح التصدي لاحظنا عملية التعبئة وربط الامة بالمرجعية الدينية وتحويل المرجعية من بعدها الإفتائي الى أبعاد ذات صله بالواقع الاجتماعي والسياسي الواسع .
بعد وفاة الامام الحكيم حصلت حالة من التلكؤ في هذا المسار حتى انطلقت مرجعية الامام الشهيد الصدر (قده) وكان له مثل هذا التوجه والاهتمام والتركيز في هذا الجانب وتحركت الامة وحصل ما حصل من أحداث ولاحظنا ان تلاميذ الشهيد الصدر وفي مقدمتهم شهيد المحراب (رض) كان له الدور الكبير في مواصلة هذا المنهج والمسار وتحقيق الانجازات الكبيرة .
واليوم حينما نجد هذا الوعي والحضور الشعائري الكبير والثقافة الدينية المتزايدة والمتنامية وايضاً ثقافة المطالبة بالحقوق والدفاع عن الامة ويجد المواطن نفسه انه مسؤولا عن الوطن ، اذن نحن امام واقع جديد لاستعادة ذلك الدور التاريخي لمحبي واتباع اهل البيت في العراق وتبني مشروع اهل البيت وهو مشروع بناء المجتمع الصالح على تلك الأسس الصحيحة والقويمة وهذا يضعنا امام مسؤوليات كبيرة وعظيمة ، في يوم ما في زمن النظام الصدامي كان الحديث عن هذه الامور او حتى التفكير بان يمارس الناس ادواراً في شؤونهم وواقعهم يعتبر أمراً ممنوعا وغير مسموح به ويتعرض صاحبه للمساءلة والملاحقة ، اما اليوم في العراق الجديد فمسؤوليتنا جميعاً ان نكون واعين ومكترثين ومهتمين بواقعنا السياسي والاجتماعي وان نعمل بكل ما لدينا من اجل انطلاق العراق والقول الفصل لابناء الشعب العراقي ، للمؤمنين والعلماء والوطنيين ان تكون لهم كلمتهم في تحديد المسارات والنهوض بالبلاد على كافة المستويات .
حينما نتحدث عن تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة فاننا نتحدث عن مشروع حسيني تجسّد في حركته وثورته المعطاء ، لان الحسين مدرسة لاتزال دروسها تنفع بناء مجتمعاتنا وترفد واقعنا ، من يريد ان يختزل شخصية الامام الحسين في حدث تاريخي معين يكون قد أساء للحسين (ع) ومن يريد ان ينظر للحسين على انه الحقيقة المتجددة في كل زمان ومكان فقد نظر للحسين بما هو حقّه ، الهدف من ثورة الحسين (ع) هو الصلاح والاصلاح والدفاع عن الحقوق ، الامام علي والحسن والحسين (ع) لم يكونوا طالبي سلطة ، بل كانوا طلاب خدمة وحملة مشروع كبير تجسد في نهجهم ذلك النهج الذي علينا ان نتأسئ به اليوم ، علينا ان نشخص اين هو الحق واين هو الباطل لنقف مع الحق وندافع عنه ونتمسك به ، نسال الله ان نكون حسينيين في المشاعر والعواطف وايضاً حسينيون في الفكر والموقف والأداء والسلوك والدفاع عن قضايا امتنا وشعبنا .
علينا ان نشخص الموقف الصحيح ونتخذ الموقف الصحيح الذي يتلاءم مع رسالة الحسين والبوصلة التي حددها الحسين في ثورته .نسأل الله تعالى ان نكون ممن يعي ويدرك خطورة هذه المواقف ويجسد ثورة وفكر الحسين في تاريخنا ومواقفنا " .
https://telegram.me/buratha