صحيفة أوان: فخامة الرئيس كيف قرأت نتائج انتخابات مجالس المحافظات؟طالباني: قبل النتائج كنت سعيدا لأن الانتخابات جرت بحرية وبشكل هادئ ومن دون تدخلات، وهذا يدل على أن رغبة العراقيين في الحياة الديمقراطية مازالت عارمة، وأنهم يفضلون الاحتكام إلى صناديق الاقتراع بدلا من السلاح، وهذه هي النقطة الايجابية الأولى للانتخابات، لكنني بالمقدار نفسه تأسفت لقلة المشاركين. هناك عزوف عن الاشتراك في هذه الانتخابات، ففي مدينة بغداد يقال إن المشاركة كانت بنسبة 40 في المئة، وتفسيري لهذا هو عدم رضا الناس عن الوضع العام؛ أقصد وضع الأحزاب ووضع البرلمان ووضع الحكومة والحالة السياسية، وإلا كان من المفروض أن تكون نسبة المشاركة في هذه الانتخابات أكثر مما حدث في السابق. كانت لدينا دورتان انتخابيتان، وعدد المقترعين في الدورة الثانية كان أكبر مما في الدورة الأولى، لكن العدد تراجع في الدورة الثالثة إلى نسبة 51 في المئة فقط كما أعلن، ولا أدري إن كانت هذه النسبة صحيحة أم لا. ومع ذلك هناك نقطة إيجابية أخرى تمثلت في ظاهرة جديدة، هي أن القوائم التي حظيت بالإقبال الأكبر لم تكن قوائم طائفية، بل كانت قوائم متنوعة. كان هناك في الطائفة الواحدة عدة قوائم. وكذلك من الناحية القومية، هذه أيضا نقطة إيجابية.والنقطة الايجابية الأخرى إن أي حزب أو قائمة لم ينل من الأصوات ما يؤهله لحكم أية محافظة منفردا، فليس هناك قائمة تستطيع وحدها أن تعين محافظا، وبالتالي فإن نتائج هذه الانتخابات أكدت قناعتنا وتأكيداتنا بأن التوافق شرط أساس لإدارة العراق، الذي لم يتهيأ بعد لنظام حكم يقوم على الأكثرية والأقلية مثل البلدان الأخرى، إنما لا بد من التوافق الوطني.. لا بد من الائتلاف الوطني، وهذه إحدى أهم نتائج هذه الانتخابات في رأيي.
صحيفة أوان: هل يعني هذا أن الانتخابات البرلمانية اللاحقة يمكن أن تعكس نفس النتائج؟طالباني: أعتقد أن النتائج نفسها ستتحقق في الانتخابات القادمة، ولكن الظواهر الجيدة التي ذكرناها ستعكس نفسها فيها أيضا. أعتقد أن هذه التجربة ستحفز جميع القوى السياسية لأن تستعد أكثر، وتبذل جهودا أكبر من أجل الانتخابات القادمة، ولا أستطيع أن أجزم بأن القوائم الحالية ستنال النسب نفسها في الانتخابات البرلمانية.
صحيفة أوان: وماذا عن البعد الكردستاني لهذه الانتخابات؟طالباني: النتائج كانت إيجابية جدا، ففي المناطق التي يوجد الكرد فيها، كان الإقبال كبيرا على صناديق الاقتراع، إذ شارك ما بين 80 و85 في المئة من الناخبين، وفي بعض المناطق ارتفعت النسبة إلى 90 في المئة. كما أن التحالف الكردستاني احتفظ بشعبيته في هذه المناطق، إذ أنه حصل على نسبة تتراوح بين 85 و90 في المئة من أصوات الناخبين، وهذه أيضا ظاهرة جديدة وفريدة.البعض كان يتوقع أن تكون نسبة التصويت للتحالف الكردستاني قليلة جدا. وعلى الرغم من أن المشاركة الكردستانية في هذه الانتخابات اقتصرت على بعض الأقضية والنواحي، بينما لم تشترك محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وكذلك كركوك، فإن نتائج الانتخابات أظهرت أن التحالف الكردستاني يمثل القوة الرئيسية الثالثة في البلاد. هذه ظاهرة تبشر بالخير، بأن الكرد سيواصلون دورهم في الحياة الديمقراطية.
صحيفة أوان: وهل تعتقد أن نتائج انتخابات مجالس المحافظات ستدعم الاتجاه الداعي إلى حل مشكلة كركوك، والمناطق المتنازع عليها، وفقا للمادة 140 من الدستور؟طالباني: نعم أعتقد هذا، لأن هذه النتائج أكدت ضرورة التوافق الوطني والائتلاف الوطني، والتوافق الوطني ضروري لحل قضية كركوك. المادة 140 تقول بالتطبيع أولا، والتطبيع لا يقتصر على قضية كركوك والمناطق الأخرى. عندنا عدد من المحافظات العراقية، قام نظام صدام بتقطيع أوصالها؛ النجف وبابل وكربلاء وبغداد وديالى وكركوك وأربيل والأنبار، هذه جميعا شملها تقطيع الأوصال والربط والدمج، وهذه المحافظات كلها تحتاج إلى إعادة أوضاعها إلى ما كانت عليه سابقا.هذه هي النقطة الأولى، والنقطة الثانية أن المادة 140 تتطلب إجراء استفتاء للسكان، والاستفتاء يتطلب بدوره إحصاء للسكان. وهناك نقطة أخرى، هي أنه لا بد من حوار وبحث بين مكونات كركوك الأساسية حول تحقيق معالجة وطنية حقيقية، وقيام توافق وطني فيما بينها. في نظري الشخصي لا يمكن فرض إرادة طرف على طرف آخر، حتى إذا كان ممثلا لأغلبية نسبية. نحن في الاتحاد الوطني الكردستاني نفتخر بتحقيق بعض الإنجازات في هذا المجال، والإخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضا أسهموا في تحقيق بعض الإنجازات المهمة؛ مثل المعالجة والاجتماع وتطمين العشائر، وهذا ما قام به الرئيس مسعود بارزاني، فضلا عن توجه حكومة إقليم كردستان لتقديم مساعدات إلى المناطق العربية والتركمانية في كركوك.بالنسبة لنا في الاتحاد الوطني الكردستاني، فقد حققنا إنجازين مهمين في مجال التنظيم بين العرب والتركمان. لدينا فرع تركماني وآخر عربي، والفرعان يضمان نحو 130 ألف عضو، وهذا ليس بالرقم القليل في هذه الظروف، وبينهم عناصر ميالة للديمقراطية، وقوى تدعو إلى اتحاد القوى التقدمية وانتصار الديمقراطية.وكذلك الأمر في كركوك، إذ هناك الآن، بين منظمات المجتمع المدني، 132 منظمة تركمانية وعربية تلتقي مع المنظمات الديمقراطية الكردية، وهذه أيضا ظاهرة جيدة. في زيارتي إلى كركوك حققنا بعض الانجازات نفذ بعضها والبقية ينتظر التنفيذ، منها تلبية طلب التركمان بأن يكتب باللغة التركمانية اسم المحافظة ودوائر الدولة وبالحروف اللاتينية مثلما أرادوا. هذا تحقق، والشيء الثاني إجراء لقاء بين المكونات الأساسية، ويجري العمل من أجل توحيد منظمات المجتمع المدني. الشيء الثالث الذي اتفقنا عليه، ويجرى العمل الآن من أجله، هو تحقيق نوع من العمل المشترك، كإيجاد إعلام مشترك تركماني عربي كردي كلدوآشوري، يقوم بالدعوة إلى التآخي والتآلف والمودة والمحبة بين المواطنين، ويعبر عن رأي الاعتدال والديمقراطية بين الجميع، وهذه نقطة مهمة أيضا. ومن الانجازات الأخرى التي حققناها، تقديم مساعدات من قبل حكومة إقليم كردستان، ومني أيضا، إلى غير الكرد، كتقديم منح للطلبة التركمان للدراسة في الجامعة الأميركية، وتقديم مساعدات شهرية لغيرهم للدراسة في جمهورية أذربيجان وتركيا.
صحيفة أوان: لماذا التركمان بالذات؟ طالباني: لأنني أعتقد أنهم أكثر مظلومية في كركوك من الكرد ومن العرب. صحيح أن الكرد تعرضوا للأنفال، لكن التركمان فضلا عن تعرضهم للترحيل والتشريد والإعدامات بالجملة، جرى إنكار قوميتهم. صدام لم يستطع أن ينكر وجود القومية الكردية، بل كان يتشدق بالاعتراف بها وبالحكم الذاتي، لكنه أنكر وجود التركمان وقال: لا يوجد تركمان في العراق، إنما عليهم أن يختاروا بين أن يكونوا عربا أو كردا. لذلك أجد التركمان في العراق بحاجة إلى الدعم والمساعدة أكثر من غيرهم. في النهاية، أعتقد أنه يجب أن نكون واقعيين. يجب أن نبحث عن لغة مشتركة بين مكونات كركوك، والانتخابات الأخيرة برهنت على أن العراق لا يدار إلا بالتوافق وبالائتلاف، وهذه الحقيقة يجب أن تنعكس في كركوك.
صحيفة أوان: هناك الآن استحقاق انتخابي في كردستان، فبعد 3 أشهر ستجري انتخابات مجالس المحافظات المؤجلة وانتخابات البرلمان الكردستاني. كيف تهيأ لها الحزبان الرئيسيان وحكومة إقليم كردستان؟طالباني: لأنني في بغداد، ليست لدي معلومات دقيقة، لكن تجري الآن لقاءات بين القوى السياسية للتهيئة للانتخابات. شخصيا كنت أميل لأن يبقى التحالف الكردستاني؛ المكون من 7 أحزاب، موحدا في الانتخابات القادمة، ولكن هناك ميلا لدى البعض؛ الأحزاب الإسلامية مثلا، لأن يخوضوا الانتخابات بقوائم مستقلة. وهم يقولون إن المنافسة تحفز الناس على الاشتراك أكثر، ويكون التصويت أوسع. وهناك أيضا نزعات من بعض المستقلين لأن يدخلوا الانتخابات بقوائم خاصة. أجد في كل ذلك ظاهرة صحية، إذ لا تُحتكر الساحة، وتكون أبواب الترشيح مفتوحة للجميع، ويكون الشعب مخيّرا في انتخاب الأصلح في نظره. في كل الأحوال، أعتقد أن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي سيخوضان الانتخابات في قائمة موحدة.
صحيفة أوان: البعض هنا يعتبر أن هذا سيكون استمرارا لاحتكار السلطة.طالباني: إذا كان المقصود بالاحتكار أن الحزبين الرئيسيين سينالان أكثرية الأصوات، فهذا صحيح، ولكنهما يشركان الآخرين معهما في السلطة، وهذا يفند هذا الادعاء، والتحالف بين أحزاب الأكثرية المتنافسة أمر يجري في الكثير من البلدان. وبالنسبة للتنافس بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان، فهو منتف لسبب أساس هو أن الوضع الكردي لم يستقر بعد، والفيدرالية لم تستقر أيضا. صحيح أنها أُقرت من المركز، لكن مازالت هناك أصوات تدعو إلى حكومة مركزية قوية، وتقليص صلاحيات المحافظات والأقاليم، فيما يوجد رأي معاكس يدعو إلى الفيدرالية وتوسيع صلاحيات المحافظات والأقاليم. كما لم تحل جميع المشكلات المتعلقة بإقليم كردستان العراق، سواء كانت تتعلق بالقوانين أو بمسألة المناطق المتنازع عليها أو بمسألة النفط. هناك عدد من المشكلات العالقة، لذلك أعتقد أن وحدة القوى الكردستانية ضرورية من أجل تأمين الاستقرار والدعم الكامل للقضية الكردية ولمطالبها العادلة.
صحيفة أوان: بمناسبة الحديث عن الفيدرالية، كيف تقيمون التجربة في كردستان العراق؟طالباني: أعتقد أن كردستان قدمت نموذجا من ناحية الفيدرالية، ومن ناحية تعايش الأحزاب وتحالفها وهذا أيضا شيء جيد، وبعض السياسيين العراقيين يدعو لعلاقة بين القوى السياسية العربية، على منوال العلاقة بين القوى الكردستانية. أعتقد أنه سيأتي يوم في المستقبل على المدى البعيد، نلحظ فيه تنافسا بين القوى الكردستانية، لكنني شخصيا أميل الآن إلى التحالف الإستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين مع عدم حرمان الآخرين، لذلك بحثت مع قادة الأحزاب الكردستانية الأربعة التي قدمت مذكرة اعتراض أو انتقاد أو مطالب إلى رئيس الإقليم، قضية توحيد الصف وإمكانية عودة أحزابهم إلى الائتلاف، لأنني أعتقد أن هذا هو السبيل المفضي إلى تعزيز الوضع في إقليم كردستان، وتعزيز الديمقراطية في العراق، ولاسيما أن القوى الكردستانية في البرلمان العراقي هي الداعمة بصورة أساسية، للديمقراطية والعلمانية وحقوق المرأة.
صحيفة أوان: يبدو أن خطر الإرهاب قد تراجع كثيرا، والوضع الأمني تحسن، وتدخلات الدول الإقليمية خفّت إلى حد ما. في اعتقادكم ما أكبر خطر يواجهه العراق الآن، وفي المستقبل القريب؟طالباني: صحيح أن خطر الإرهاب تراجع ولكنه مازال قائما. أعتقد أن أحسن رد رادع للإرهاب ولإنهائه هو تحالف القوى المعتدلة؛ من ديمقراطية وإسلامية وقومية، وتحقيق الوحدة الوطنية والمصالحة الوطنية. إذا أنجزنا هذا، سنسد الأبواب أمام نهضة جديدة للعمليات الإرهابية. في كردستان وكل العراق نحن بحاجة إلى تحقيق وحدة وطنية حقيقية، تمثل كل المكونات العراقية الأصيلة. لم يكن الخطر مقتصرا على الإرهاب، وإنما أيضا من رد الفعل على الإرهاب. فمثلا عندما كان الإرهابيون يركزون على المناطق الشيعية، كانت هناك أحيانا ردة فعل ضد العرب السنة الأبرياء وبالعكس، ما هدد بنشوب حرب أهلية كانت على وشك الوقوع. ولتجنيب العراق والمجتمع العراقي خطر الحرب الأهلية، أعتقد أننا يجب أن نبقى يقظين وحذرين من تجدد الإرهاب. والخطر الذي يمكن أن يهدد العراق بعد الإرهاب، هو عدم اتفاق القوى الأساسية على العمل المشترك مع بعضها. في المرحلة الأولى من العهد الجديد، رفض العرب السنة المشاركة في الحكومة، وكان ذلك نقصا كبيرا في الحكومة. صحيح أن الكرد والشيعة يمثلون أكثرية معا، لكن هذا لا يعني الإدارة الجيدة والحكيمة للعراق. العراق كما قلنا لا يحكم إلا بالتوافق، ولاسيما بين هذه المكونات الثلاثة؛ العربية الشيعية والعربية السنية والكردستانية. أعتقد أن خطر انشقاق القوى الفاعلة هو خطر كبير، يمكن أن يؤدي إلى نوع من الدكتاتورية، وقد يؤدي إلى الانفراد بالسلطة الذي يهدد الوحدة الوطنية.
صحيفة أوان: هل توجد مظاهر للدكتاتورية؟طالباني: لا أؤمن بوجود مظاهر للدكتاتورية، مع اعتقادي بأن النزوع إليها موجود، فكل حزب يتمنى أن يحكم العراق بمفرده، ماعدا الكرد الذين يعرفون أنه ليس في وسعهم ذلك. أعتقد أنه لا يمكن فرض دكتاتورية جديدة على الشعب العراقي، بعدما عانى من الدكتاتورية طويلا، والانتخابات الأخيرة أكبر دليل على أنه يرفض رفضا قاطعا ليس الدكتاتورية فقط، وإنما أيضا تخويل جهة معينة وحدها بإدارة البلاد، حتى لو كان بطريقة ديمقراطية وبطريقة الانتقال السلمي للسلطة، فالشعب العراقي بتكوينه وتركيباته الاجتماعية والسياسية والطبقية والطائفية، يرغب في الائتلاف والتوافق. أعتقد أنه مهما جرت محاولات لفرض الدكتاتورية، فستفشل.
صحيفة أوان: في هذا الإطار؛ إلى أي مدى يمكن أن تهدد العملية القائمة في العراق، من قبل المشاكل القائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان؟طالباني: أعتقد أن هذه المشاكل قابلة للحل وهي ضُخمت. لنأخذ مثلا مسألة العلاقة مع تركيا. في البداية كانت الحكومة المركزية تقول إن الإقليم يتشدد مع تركيا، ولكننا بنينا علاقة جيدة مع تركيا، ومهّدنا لاتفاقية بين العراق وتركيا، وصار هناك الآن علاقات بين تركيا وإقليم كردستان. هذه المشكلة حُلّت بطريقة ودية. أما مشكلة النفط فهي إحدى المشكلات التي تثار، والحقيقة أن المادتين 111 و 112 من الدستور تؤكدان أن النفط والغاز ثروة وطنية عامة لكل العراقيين، ويجب أن توزع وارداتها بنسبة السكان وحسب احتياجاتهم، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأوضاع التي خلفتها الدكتاتورية في هذه المناطق. هاتان المادتان كانتا مقبولتين من الجميع، ولا اعتراض عليهما لا من الإقليم ولا من المركز، إلى أن حدثت مسألة العقود التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان. والحقيقة إن هناك تعتيما على حقيقة أن الحكومة المركزية وافقت، في اتفاق خاص أقره مجلس الوزراء بالإجماع، على أنه إذا لم يتم إقرار قانون النفط والغاز في مايو (مايس) 2007، فيجوز للإقليم والمركز أن يبرما اتفاقيات نفطية، وهذا ما حصل. وحتى في هذه الحالات، فإن العائدات تذهب إلى الحكومة المركزية. وتم الاتفاق على نقطة مهمة بين المركز والإقليم؛ وهي أن النفط المستخرج في كردستان، يُصدّر ضمن الأنبوب الذي ينقل النفط العراقي إلى ميناء جيهان التركي، بمعنى أن كل النفط أعطي للحكومة المركزية لتبيعه وتأخذ وارداته. هذه نقطة أساسية، إذ يعتقد البعض أن الكرد يريدون الاستيلاء على النفط لأنفسهم. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالجيش والقوات المسلحة، ولدينا وعود وعهود إذا نُفذت فستُحل هذه المشكلة. وباعتراف الأخ نوري المالكي رئيس الوزراء، فإن الكرد مغبونون، وهو الذي قال إن 44 في المئة من ضباط الجيش العراقي هم من العرب الشيعة، و42 في المئة من العرب السنة، و8 في المئة فقط من الكرد، وأنتم تعرفون أن قائمة التحالف الكردستاني كانت القائمة الثانية في العراق، في الانتخابات السابقة. هذه إحدى النقاط التي تثير خلافا بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم. يجب أن يعالج هذا الملف، وكذلك مصير قوات البيشمركه وفقا للدستور. للإقليم حق في أن تكون له قوات شرطة وقوات أمن وحرس حدود. أعتقد أنه إذا نُفّذت الاتفاقية التي عقدت بين رئيس الوزراء ورئيس الإقليم، فإن المشكلات كلها ستُحل.طبعا هناك مشكلة أخرى، وهي لا تخص الإقليم وحده، فالجميع يشكون منها وهي المشاركة الحقيقية في الحكم. الجميع يطالبون بأن يكونوا شركاء حقيقيين في القرار، وليس فقط في المناصب؛ شركاء في توجيه البلاد وإدارتها وبناء مؤسساتها، سواء كانت عسكرية أو بوليسية أو مدنية أو اقتصادية أو نفطية أو تتعلق بالسياسة الخارجية.
صحيفة أوان: أعلن في الكويت منذ أيام أن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي سيزور العراق قريبا، وهذا حدث كبير على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين. أنتم كنتم في الكويت قبل فترة قصيرة، وأجريتم مباحثات مع صاحب السمو أمير الكويت.. هل التطور المرتقب ثمرة للحوار الذي دار؟طالباني: كانت لي لقاءات مفيدة جدا مع صاحب السمو أمير الكويت، وفي آخر يوم في زيارتنا الأخيرة، جرت مفاوضات مثمرة ومجدية بين الوفدين العراقي والكويتي، وتم الاتفاق على زيارة قريبة لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، الذي أكد أنه ينتظر جوابا من الحكومة العراقية، وحالما تكون مستعدة سيقوم بزيارة العراق.أعتقد أن زيارتنا إلى الكويت كانت ناجحة على صعيد تحسين العلاقات العراقية الكويتية، وإذا نُفّذ الاتفاق الذي جرى، لن تبقى مشكلة بين العراق والكويت، لأننا بحثنا كل جوانب المشاكل العالقة بيننا. بين بلدينا علاقات تاريخية وثيقة، ومصالح ومنافع مشتركة كثيرة. من جهتنا يمكننا الاستفادة من الاستثمارات الكويتية، وكذلك التبادل التجاري، وفي الوقت نفسه يمكن للعراق أن يكون مصيفا ومشتى للكويتيين، سواء الأهوار في الجنوب أو الجبال في كردستان. وهناك أيضا السياحة الدينية، ونحن لدينا مراكز مقدسة للشيعة والسنة في العراق، وهذه السياحة الدينية شيء مفيد لجميع الأطراف. تطوير العلاقات مصلحة مشتركة للكويت والعراق، ولاسيما أنه لم تعد هناك قوى تدّعي كالسابق أن الكويت جزء من العراق، إذ تلاشت تقريبا هذه الادعاءات الباطلة في الساحة السياسية العراقية.
صحيفة أوان: العلاقات مع السعودية وسورية لم تزل دون المستوى المطلوب. أين العقدة؟طالباني: بالنسبة للسعودية العقدة تكمن في عدم وجود الثقة، وخادم الحرمين الشريفين أكد لي، في لقاء عابر معه أثناء قمة الكويت، أن العراق في القلب، ونحن نحب العراقيين، ونتمنى لهم كل الخير. ولكن عدم الثقة هي السبب الأساس في عدم تطوير العلاقات بين البلدين.
صحيفة أوان: عدم الثقة بمن؟طالباني: بالحكومة. أما بالنسبة لإخواننا في سورية، فأنا شخصيا أميل وأعمل من أجل تحسين وتعزيز العلاقات مع سورية. سورية لها فضل علينا أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، فكل معارضي صدام كانوا هناك، في وقت لم يشأ الآخرون أن يقدموا لنا مأوى أو يستقبلونا. هنالك مشكلات أو اتهامات من قبل العراق لبعض الأجهزة السورية بتسهيل تسلل الإرهابيين من سورية، وأيضا كانت سورية تشكو من مسائل أخرى. حاولنا أن نحل المشكلات ونبدد المخاوف، وأعتقد أننا توصلنا إلى نتيجة جيدة، وأن الأبواب فتحت الآن على مصاريعها لقيام علاقات مثمرة، والآن الشكوى من التسلل من سورية إلى العراق أصبحت قليلة جدا أو معدومة. وفي اللقاء الأخير مع فخامة الرئيس بشار الأسد في الكويت، اتفقنا على أن يزور العراق وفد سوري لتعزيز العلاقات وعقد اتفاقات، وحصلنا على موافقتهم لتجديد الخط النفطي المار بسورية، بعد أن بحثنا مع شركة روسية القيام بصيانته وإصلاحه. كانت هنالك نقطة أخرى غير واضحة لدى إخواننا السوريين، وهي اتفاقية (صوفا) مع الولايات المتحدة، ولما أوضحت بنود الاتفاقية لفخامة الرئيس الأسد، لم أجد لديه الاعتراضات التي نقرؤها في الصحف السورية. بيّنت له كيف أنه بموجب الاتفاقية استعاد العراق حقوقا سيادية مهمة، كسيادته على الأرض والجو والبحر وعلى قواته، ومنع الأجانب من اعتقال العراقيين والإشراف على السجون، كما أكدت أن الاتفاقية تمنع اتخاذ العراق ممرا أو مقرا للاعتداء على الجيران. هذه النقاط لم تكن واضحة لديهم. أعتقد الآن أن العقبات قد أزيلت عن طريق تحسين العلاقات بين سورية والعراق، وهنالك أرضية مناسبة وفرصة تاريخية لعقد اتفاقات مثمرة للجانبين، ولا يجب أن نفوّت هذه الفرصة.
صحيفة أوان: سؤالي الأخير فخامة الرئيس يتعلق بشكوى العراقيين أنه مرّ وقت طويل، والحكومات المتعاقبة لم تقدم ما وعدت به من تحسين الخدمات البلدية والكهرباء والماء الصحة والتعليم. حتى الآن هناك مشكلات كبيرة ونقص حاد على هذا الصعيد!! متى يمكن للعراقيين أن يجنوا ثمار التغيير الكبير الذي حدث منذ 6 سنوات؟طالباني: نعم الشكوى قائمة وهي عادلة، ولكن أيضا هنالك تقدّما في هذه المجالات. فعلى صعيد رواتب الموظفين والعمال، هنالك تقدم كبير قياسا بالعهد الصدامي. في مجال التعليم والصحة هنالك تقدم أيضا. نعم مازالت المناطق العراقية تشكو قلة الكهرباء وعدم وجود المياه الصالحة للشرب والتأخر في إنجاز المشاريع الموعودة، أو عدم صرف الميزانيات المقررة للمحافظات بشكل جيد. من حق الشعب أن يطالب بتحسين الخدمات العامة، وأعتقد أن هنالك اتجاها من قبل الحكومة لتحسين الخدمات وتوفيرها. كانت هناك أخطاء في الماضي، ولكن أعتقد أنه يوجد توجه لتقديم الخدمات. وهنا لا بد من الإشارة إلى نوع من عدم تقدير الوضع العراقي. موارد ميزانية العراق تأتي من النفط، الذي هبطت أسعاره بدرجة مخيفة. كما أن هناك مشاريع لا يمكن إنجازها بسرعة، كمحطات الكهرباء. لا يجب أن ننسى أن نظام صدام ترك العراق والخراب يعم كل أرجائه. كل شيء في العراق بحاجة إلى تجديد؛ الماء والكهرباء والسكن والطرق والمستشفيات والمدارس والجامعات. ليست هناك مؤسسة عراقية واحدة صالحة تماما. حتى المنشآت النفطية بحاجة إلى التجديد، كي تستمر في إنتاج النفط بالقدر الذي نريده أو نرغب فيه. كما أن الديون والتعويضات التي تركها لنا النظام الدكتاتوري كلفتنا كثيرا. حتى الآن دفعنا أكثر من 40 مليار دولار، وهذه ثروة ضخمة. لا بد من أخذ هذه المسائل بعين الاعتبار، عندما نتكلم عن تحسين الأوضاع.
صحيفة أوان: لكن العراقيين يرون أن الأوضاع في إقليم كردستان أفضل مما في المناطق الأخرى، ويعزون هذا إلى تفشي الفساد المالي والإداري.طالباني: كما أشرت، فإن هناك إهمالا وعدم قيام بالواجب. الوضع في كردستان مختلف بعض الشيء. قبل تحرير العراق من الدكتاتورية، كانت هناك منطقة آمنة وحكومة إقليمية وبرلمان إقليمي، في 3 محافظات كردستانية، وكانت نسبة معينة من واردات النفط العراقي تعطى إلى إقليم كردستان، وهي بالمناسبة أكبر من النسبة الحالية، إذ كانت 19 في المئة من كل الواردات، وأصبحت الآن 17 في المئة، وتطرح منها مصاريف المؤسسات السيادية كالقوات المسلحة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والدوائر المركزية. كانت النسبة أكبر بكثير من الآن، وقد صرفت تلك الموارد بشكل جيد. لا ننكر وجود الفساد المالي والإداري، فالأجهزة التي ورثها النظام العراقي الجديد من الدكتاتورية، هي أجهزة فاشلة في أغلبها، ولكن لا يمكن الاستغناء عنها دفعة واحدة أو هدمها فورا. فضلا عن ذلك، فإن الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية في بعض المناطق، وفي بعض المسائل عرقلت تقديم الخدمات كما يجب في بعض المناطق.
https://telegram.me/buratha