فتحت مرحلة ما بعد مؤتمري شرم الشيخ آفاقاً جديدة ظهرت ملامحها جلياً على أرض الواقع، من خلال تفاعل المجتمع الدولي وتعاطيه الجاد مع الشأن العراقي. وبالمقابل، فان العالم بدأ يترقب بتفاؤل مدى تفاعل الحكومة العراقية وحرصها على تنفيذ التزاماتها في العهد الدولي، وتحقيق الاصلاحات السياسية والامنية والاقتصادية. ويؤيد هذا التفاعل المتبادل القول بنجاح تعهدات شرم الشيخ على إحلال الأمن والاستقرار في العراق عبر معادلة الحشد الدولي من جهة، وعهد وطني تعمل حكومة المالكي على ترتيبه في الداخل من جهة أخرى.عالمياً، رحب الاتحاد الاوروبي بمؤتمر دول الجوار الموسع، وبالمساهمة الدولية الفاعلة في شرم الشيخ، ما يعكس مسؤولية المجتمع الدولي حيال العراق، ورغبته الجادة في مساعدته للخروج من أزمته الحالية. كما أكد الاتحاد الاوروبي في بيان نقلته وزارة الخارجية أمس، دعمه لحكومة العراق وشعبه، وصولاً إلى قيام دولة ديمقراطية آمنة ومستقرة، مشدداً في الوقت نفسه على التزام الاتحاد باستقلال العراق وسيادته ووحدته الاقليمية.وأشاد بجهود حكومة العراق المنتخبة في تحقيق المصالحة الوطنية وحكم القانون، وسعيها إلى استعادة النظام العام واعادة الاعمار، وإشراك دول الجوار والمجتمع الدولي في هذه الجهود.ويتوافق موقف الاتحاد الاوروبي مع المنظمات الدولية الاخرى ذات الثقل السياسي العالمي، والمسؤولين البارزين الذين شاركوا في مؤتمري شرم الشيخ. فقد أعلن مسؤول أممي عزم الامم المتحدة على التصدي للتحديات التي تواجه العراق، وإخراجه من الأزمة الراهنة. وقال مدير المكتب الاعلامي للأمم المتحدة في القاهرة ماهر ناصر: إن قضية العراق تحتل أولوية في الأجندة الدولية، وتحظى باهتمام كبير من المنظمة الدولية. وكشف ناصر عن ان دعم المنظمة ليس مشروطاً بالتقدم الذي تحرزه الحكومة العراقية فيما يتعلق بوثيقة العهد الدولي، الا أنه شدد على أهمية عقد التزام عراقي داخلي بين القوى المختلفة، من خلال الحوار الوطني والمصالحة باعتبار ذلك شرطا لتنفيذ ما ورد في العهد الدولي. من جانبه، وصف الرئيس المصري حسني مبارك اجتماعي شرم الشيخ بأنهما (خطوة على الطريق)، معرباً عن أمله في أن تتلوهما خطوات أخرى قريباً، لتحقيق ما يصبو اليه المجتمع الدولي ودول الجوار باعادة العراق إلى مكانه الطبيعي بين دول المنطقة، فيما قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير سليمان عواد لـ(الصباح) في القاهرة: إن المصالحة وتحقيق الوفاق الوطني يعدان شرطين أساسيين لانجاح العملية السياسية في العراق واستعادة الهدوء فيه. كما أوضح عواد ان الزيارة المرتقبة لنائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الى المنطقة، تأتي في اطار حرص الادارة الاميركية على التعرف عن كثب على تقدير القيادات السياسية الاقليمية بشأن التطورات على الساحة العراقية.وفي واشنطن، أظهرت الصحف الاميركية امس ما يمكن اعتباره محاولات ضغط لتنفيذ مقررات شرم الشيخ، إذ تقول صحيفة نيويورك تايمز: إن المبادرة يجب ان تبرز من العراق لاعطاء العالم فرصة سانحة للتفكير بالتزاماته تجاه العراق. واعتبرت موضوعة المصالحة في مقدمة ما يتعين على الحكومة ان تمضي فيها قدماً، اضافة الى ضرورة الاسراع بملفات الاجتثاث والمليشيات والعائدات النفطية.محلياً، أضحت مرحلة ما بعد مؤتمري شرم الشيخ، مرحلة جديدة بالنسبة للعراق، بحسب النائب في البرلمان الدكتور محمود عثمان، الذي اوضح أن العالم الآن يراقب العراق لتنفيذ تعهداته التي وقع عليها في وثيقة العهد الدولي، ليحدد المجتمع الدولي على اساس ذلك موقفه ازاء العراق ومدى دعمه واسناده للشعب العراقي.ودعا عثمان المسؤولين والكتل السياسية إلى إجراء حوار ولقاءات واجتماعات مكثفة لبحث مجمل الوضع والوصول إلى المبادئ المشتركة والآليات الضرورية للايفاء بما تعهد به الوفد العراقي امام المجتمع الدولي، مشدداً في الوقت نفسه ان على الولايات المتحدة ان تتحمل مسؤوليتها في العراق، حسب ما أقرته اتفاقيات جنيف، باعتبارها قوى محتلة، ووجوب التعامل مع دول الجوار، لاسيما سوريا وايران، بما يخدم الأمن والاستقرار في البلاد.