السلام عليكم ايها السادة الحضور ورحمة الله وبركاته.
يسعدني بداية ان اتوجه بالشكر الجزيل لجمهورية مصر العربية وفخامة الرئيس محمد حسني مبارك على استضافة هذا المؤتمر.
كما أتقدم بالشكر والتقدير للسادة وزراء الخارجية ولكل الاشقاء والاصدقاء واوجه التحية لشعوبكم وحكوماتكم على حضوركم هذا المؤتمر الذي يمثل ملتقى الارادات الخيرة لدعم العراق وشعبه لتجاوز المرحلة الصعبة التي يمر بها
ان مشاركتكم في هذا المؤتمر تعكس اهتمامكم وحرصكم على المساهمة الايجابية والفاعلة في دعم العملية السياسية ونتائجها ومسيرة المصالحة الوطنية والمساعدة على احلال الامن والاستقرار في العراق هذا البلد الذي قدم في وادي الرافدين اولى الحضارات الانسانية.
ايها السيدات والسادة
لقد خاض الشعب العراقي عبرتأريخه الطويل صراعا مريرا من اجل نيل حقوقه وتحرير ارادته واستطاع في ثلاث ملاحم انتخابية أن يؤسس لتجربة ديمقراطية فريدة في تاريخه و لحياة دستورية تتكامل فيها السلطات الثلاث ، هذه التجربة الوليدة التي قطعت الطريق والى الابد على عودة الدكتاتورية والاستبداد اصبحت اليوم خيارا استراتيجيا لجميع مكونات الشعب، فالعراق الجديد الذي تحكمه مؤسسات دستورية اختارها الشعب يطبق الاليات الديمقراطية في اعتماد التداول السلمي للسلطة والتعددية وحرية التعبير والنقد واحترام الرأي الاخر وتعزيز مشاركة المرأة في كافة مجالات الحياة الى جانب اخيها الرجل .وفي اطاراهتمام حكومتنا بتعزيز القيم الديمقراطية ، فقد تم تخصيص ثلاث حقائب وزارية لشؤون المرأة والحوار الوطني وحقوق الانسان.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجهنا فإن شعبنا مصمم على التمسك بتجربته الديمقراطية وحماية مؤسساته الدستورية ، كما انه حريص على تطوير هذه التجربة من خلال مراجعة مستمرة طبقا للاليات الدستورية . ان الدستور الذي صوت عليه اثنا عشر مليون عراقي يعد من اكثر الدساتير تقدما وهو يمثل صمام الأمان للعراق والمنطقة .
ولم تمنع الهجمة الارهابية الشرسة التي يتعرض لها شعبنا بجميع مكوناته ، حكومة الوحدة الوطنية من تبني مبادرة المصالحة الوطنية التي تعتبر قارب النجاة لكل العراقيين عربا وكردا وتركمانا، مسلمين وكلدواشوريين وصابئة وايزيديين ، لان البديل هو الفوضى والمجهول والاحتراب الداخلي .
ايها السيدات والسادة
لم تكن مبادرة المصالحة الوطنية بالنسبة لنا شعارا سياسيا عابرا، انما رؤية استراتيجية، وهدف مركزي تعمل الحكومة وكل القوى المخلصة على تحقيقه، وكانت المؤتمرات التي شاركت فيها العشائر العراقية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفون والضباط والقوى السياسية خطوات في غاية الاهمية على طريق نبذ العنف وعدم الاحتكام للسلاح واشاعة ثقافة الحوار والتسامح ونبذ الخلافات الجانبية.
وقد تم تشكيل لجنة عليا لتفعيل مبادرة المصالحة الوطنية ساهمت في اعادة ضباط الجيش العراقي السابق الى الخدمة ومنح اخرين منهم رواتب تقاعدية ، كما قدمت الحكومة وفي اطار مشروع المصالحة الوطنية مشروع قانون المساءلة والعدالة الى مجلس النواب لاعادة النظر في هيئة اجتثاث البعث كما تمت مراجعة العديد من الهيئات التي أقرها الدستور.
لقد شعرت المنظمات الارهابية بالرعب امام نجاح مبادرة المصالحة الوطنية في تخفيف الاحتقان الطائفي و تعزيز الوحدة الوطنية وتكريس السلم الاهلي ، فزادت من عملياتها الارهابية لاجهاض هذا المشروع الوطني .
ان الارهابيين من التكفيريين وازلام النظام البائد ، كانوا ومازالوا يسعون لاثارة الفتنة الطائفية وتمزيق البلاد ،ليكونوا في مأمن من سلطة القانون، وهيهات ان يتحقق هذا الوهم فالعراقيون ومن شتى اتجاهاتهم السياسية والفكرية متفقون على هزيمة وباء الارهاب وتحقيق الامن والاستقرار بما يكفل انجاح العملية السياسة و وانطلاق عملية اعادة البناء والاعمار ،وان ما حدث في محافظة الانبار التي تطهرت ارضها المباركة من رجس تنظيم القاعدة الارهابي والمتحالفين معه بجهود ابناء العشائر المخلصين وبالتعاون مع قواتنا المسلحة ، وما يتكرر هذه الايام في باقي المحافظات العراقية ، يعد ابرز ثمار المصالحة الوطنية ودليلا حيا على رفض الارهاب والتكفير والتخلف .
ان العراق الذي يراد له ان يصبح نقطة ضعف في المنطقة، لن يكون في مصلحة اية جهة اقليمية او دولية، وإن مانسعى اليه وبالتعاون معكم هو ان يكون العراق الجديد ركيزة اساسية لتثبيت الامن والاستقرار والإزدهار في المنطقة.
ان شعب العراق بتاريخه العريق وارثه الحضاري العظيم يخوض معركة شرسة ضد الارهاب نيابة عن العالم ويقدم التضحيات، مصمم على الانتصار في هذه المعركة ،وان تحقيق هذا الهدف النبيل بحاجة الى دعمكم ومساندتكم ، فالاهداف الكبيرة تتطلب مشاركة كبيرة ،ولا يمكن ان يتحقق ذلك دون تضافر جهود العراقيين ودعم اشقائهم واصدقائهم ، فالأمن معادلة مترابطة تستدعي المشاركة والتعاون بين دول المنطقة والعالم.
ايها السيدات والسادة
لقد تحمل الشعب العراقي الكثير من المآسي والالام على مدى خمسة وثلاثين عاما من الاستبداد والطغيان، وبعد سقوط الحكم الدكتاتوري، لم نسمح للمنظمات الارهابية ان تتخذ من الاراضي العراقية ملاذا امنا لها، وهو مايدعونا ان نطالب دول الجوار الاقليمي بمنع تسلل الجماعات الارهابية الى داخل العراق وحرمانها من الحصول على التمويل المادي والدعم السياسي والاعلامي طبقا لما اقرته اجتماعات وزراء الداخلية العرب ومؤتمرات وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق.
ان دعم الارهاب لن يوفر اية مكاسب لاية جهة ولن يجعلها في منأى عن خطر القتلة، فالارهاب الذي يقتل المدنيين الابرياء في الاماكن العامة ويضرب الجامعات ويدمر المكتبات في شارع المتنبي والمساجد والكنائس، هو ذاته الذي يضرب في المغرب والجزائر والسعودية وهنا في شرم الشيخ. ويرتكب خطأ فادحا كل من يسوغ الارهاب بتبريرات طائفية ، فالارهابيون يستهدفون جميع الاديان والمذاهب والدول دون استثناء ،لانهم يعملون وفق مبدأ واحد هو قتل جميع من يختلف معهم في الرأي .
ونؤكد لكم ان العراقيين وحدهم هم القادرون على حل مشاكلهم بأنفسهم وليس بامكان اية قوة خارجية ان تقوم بهذا الدور، اما مايمكن ان يقوم به الاشقاء والاصدقاء فهوالدعم والاسناد المخلص والنزيه وغير المنحاز.
لن يكون بمقدور اية حهة حرف المسيرة السياسية للشعب العراقي التي قدم من اجلها التضحيات الغالية وان العودة الى الوراء تعني تحطيم امال وتطلعات العراقيين وهذا مالانرضاه ولن يرضاه شعبنا.
قد يتحدث البعض عن العراق ومسيرته السياسية بعدم الرضا لاعتبارات خاصة ويؤسفنا انها لاتنسجم مع الواقع وتعقيداته ولا التطلعات وافاق المستقبل ولامع توجهات شعبنا الذي يرفض التدخل في شانه الداخلي مثلما يرفض التدخل في شؤون الاخرين.
اننا نرفض منطق الوصاية والتفكير بالنيابة عنا مع احترامنا لمبدا التشاور والحوار وتبادل الافكار والاراء والطروحات التي تتعلق بافاق التعاون والتكامل
ايها السيدات والسادة
اقول لكم بكل ثقة واطمئنان ان لاخطر على العراق من الحرب الاهلية او الحرب الطائفية، فالعراقيون ورغم نزف الدماء، يتوحدون اليوم بعد ان ادركوا خطورة المخططات الشريرة للارهابيين والجهات الداعمة لهم، واؤكد لكم ان خطة فرض القانون التي نقوم بتنفيذها في جميع مناطق العاصمة ودون استثناء، نجحت في ايقاف القتل الطائفي الذي يعد اخطر منزلقات الحرب الطائفية .
اننا لاننظر الى خطة فرض القانون على انها الفرصة الاخيرة ، بل هي خطوة مهمة في طريق تثبيت الامن ونزع سلاح المليشيات وضرب جميع الخارجين عن القانون دون النظرالى انتماءاتهم ، وتكريس سلطة العدالة ، ولن نتوقف عن ملاحقة الارهابيين في جميع انحاء البلاد، ولكي نضمن لها النجاح حرصنا على ان تكون خطة فرض القانون متكاملة تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والخدمية ولا تقتصر على الاجراءات العسكرية والامنية .
لقد وضعنا في مقدمة اولويات برنامج حكومتنا المعلن بسط السيادة الكاملة على ارضنا ومقدراتنا ، وبدأنا منذ اليوم الاول لتسلمنا منصب رئاسة الحكومة العمل على تدريب وتاهيل قواتنا المسلحة لتقوم بواجبها الوطني في تسلم المسؤولية الامنية كاملة من القوات متعددة الجنسيات .وبعد مضي اكثر من سنة تسلمت قواتنا المسلحة في العديد من المحافظات المسؤولية الامنية وسنواصل باذن الله وهمة ابناء الشعب هذه المهمة حتى تحقيق الهدف المنشود باستلام كامل الملف الامني.
ايها السيدات والسادة
ان انشغال الحكومة في مواجهة الارهاب لم يثنها عن المضي قدما في عملية اعادة البناء حيث أقرت اكبر ميزانية في تأريخ العراق الحديث ،كما تم وبالتعاون مع مجلس النواب المصادقة على قانون الاستثمار الذي نعتبره خطوة في غاية الاهمية لتطوير الاقتصاد العراقي واعادة البنى التحتية وتوفير الكثير من فرص العمل للمواطنين، كما قدمت الحكومة مشروع قانون النفط والغاز الى مجلس النواب، ومن شأن المصادقة عليه انه سيكفل توزيع ثروات البلاد بصورة عادلة باعتبار النفط ملكا لجميع العراقيين وضمانا لوحدتهم .
كما نؤكد ان اولويات الحكومة في تثبيت الامن والاستقرار تسير بالتوازي مع اجراءات عملية اتخذناها لدعم الاقتصاد وتوفير الاحتياجات الاساسية وتحسين المستوى المعيشي وزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين ومكافحة البطالة عبر توفير الاف الدرجات الوظيفية وتوسيع شبكة الرعاية الاجتماعية لتشمل جميع الاسر المحتاجة وتوفير فرص عمل للقطاع الخاص والعام والمختلط.
ايها السيدات والسادة
لم يكن العراق وعبر التاريخ دولة هامشية ولا نرضى ان يكون كذلك مع اعترافنا بان سياسات النظام السابق الحقت اساءة بالغة بالعراق وشعبه بسبب مغامراته وحروبه الطائشة التي عزلت العراق عن محيطه العربي والاسلامي وباقي دول العالم ،فمن قمعه المروع وتنكيله بجميع مكونات الشعب العراقي مرورا بحربه على ايران وغزوه دولة الكويت ، كل هذه السياسات دمرت قدرات العراق واستنزفت طاقاته وصنعت له مشاكل في علاقاته العربية والاقليمية والدولية، نسعى اليوم لحلها على اساس المصالح المشتركة وحسن الجواروالرغبة في العيش المشترك بامن وسلام.
ان العراق الجديد الذي نفض غبار الاستبداد والدكتاتورية يعيش اليوم تجربة ديمقراطية تؤهله لان يكون محطة التقاء وتعاون لا ساحة صراع وتصفية حسابات بين الدول ، واننا مستعدون للعب دور ايجابي في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الاقليميين والدوليين، بما يضمن حقوق الجميع ويعزز الامن والاستقرار ، اننا نطالب الاشقاء والاصدقاء باحترام خصوصية الشعب العراقي وتنوعه القومي والديني والمذهبي والتي تعد مصدر قوة وثراء وسمة بارزة في مسيرته الانسانية والحضارية . وفي نظرتنا المتوازنة لجميع مكونات الشعب العراقي ،لا نسمح ان تستقوي احدى هذه المكونات بقوى خارجية ، كما نرفض حكومة وشعبا ان تتعامل اية دولة مع العراق على اساس الانحياز القومي او الديني او المذهبي، لانه سيؤدي الى تمزيق العراق وتفتيت وحدته الوطنية.
ان حكومة الوحدة الوطنية هي حكومة منتخبة تمثل كل اطياف الشعب العراقي،
وان التعامل معها على اساس العلاقات المتكافئة يعكس احترام تلك الدول لارادة الشعب العراقي وللاعراف والقوانين الدولية التي تنظم العلاقة بين بلدان العالم ، ومن شأن هذا التعامل ازالة اي التباس او سوء فهم او تشويه مقصود تقوم به بعض الاطراف المغرضة لاهداف فئوية او حزبية ضيقة .
ختاما نأمل ان تتحول توصيات ونتائج هذا المؤتمر الى اجراءات وخطوات عملية والتزامات وتعاون اوثق ضمن مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل يخدم في النهاية الاهداف التي عقد من اجلها هذا المؤتمر .
اجدد شكري وتقديري لجمهورية مصر العربية والدول المشاركة في المؤتمر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نوري كامل المالكي
رئيس وزراء جمهورية العراق
https://telegram.me/buratha