عندما تطالعنا الأخبار المحلية عما يحصل لبعض العلماء والوجهاء من أبناء القطيف عند ذهابهم لإمارة الدمام ينتابنا نوعاً من الألم والقهر من جراء المعاملة الفضة والقاسية التي يعملهم بها أمراء الإمارة ورجالتها، ولكن هذا الألم وهذا القهر لا يجدي نفعاً والأخر يُمعن في طريقته السيئة عند استقبال هؤلاء الشخصيات وغيرهم من شخصيات المنطقة. فما العمل ونحن الطرف الضعيف في وجهة نظر البعض منا؟في الحقيقة نحن من نحدد طريقة وحجم ونوع استقبال علمائنا ووجهائنا في هكذا أماكن، فعندما يعتز المجتمع بعزة الله سبحانه وتعالى التي يقول فيها القرآن {..فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}( )، تعتز شخصياتنا في دخولها على أمثال هؤلاء الطواغيت، وإن حاولوا التجاوز علينا أو أهانت وجهائنا وعلمائنا، فلا يضيرنا عند ذلك شيء، فالله يقول: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}( ).فلا يضر أعزاء النفوس إساءات أصحاب السياسات والمناصب، ما دموا يعتقدون أنهم أصحاب حق، ولا ترعدهم أو تخيفهم تهديدات المستبدين ما دموا واثقين من أنفسهم ومبادئهم، بل سيرون من هؤلاء الطواغيت التخوف والتلجلج، كما قد حصل عند ذاهب مجموعة من المؤمنين بمعية الشيخ نمر باقر آل نمر إلى أمارة الدمام في شهر رجب من عام1427هـ، والذي اتضح من خلال الاستقبال عزة هؤلاء المؤمنين، الأمر الذي جعل نائب أمير الشرقية يستقبلهم بترحاب واحترام، ويستغرب من تجرئهم، ويتلجلج عند سماعه أيهم؛ وأخيراً حسن الحفاوة بهم عند المغادرة، ولهذا يُحسب في الأمارة للشيخ النمر ووفده ألف حساب وحساب لأنه أعتز بعزة الله سبحانه {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}( ).وتلك العزة التي يعز بها الله المؤمنين متوقفة على جملة من الأمور: 1- التوكل على الله:لا يحصل الظفر بشيء من أمور الدنيا إلا بالتوكل على الله، فكيف والتحرك هو لاستعادة الحقوق المسلوبة، والذي هو مطلب ديني ودنيوي.إن الذي يجعل من التحرك ضعيفاً وينتابه الوهن هو من حالة اتكال بعض من شخصيات المجتمع على تجاوب أمراء (الإمارة) معها وعلى العطايا التي يأملون أن تقدم لها من الغير المستبد، ولو أن هذه الشخصيات أدركت أن هذه الطريقة هي مسألة نادرة الضمان في استعادة الحقوق، لأنها طريقة ذليلة وخائرة، تأخذ الاستجداء وسيلة لنيل الحقوق المشروعة، والاستجداء من هؤلاء إغراء بالنفس والمجتمع، وهو سبيل القهر والعنجهية أكثر، لأن هؤلاء لا يرعوون عن من يقدم لهم هالات التعظيم والذلة عن التنكيل به أو تهديده وتوعيده، إذ لا يوقفهم إيمان عن تجاوز الحد مع الآخرين، ولا يحجزهم ورع وتقوى عن الظلم ، إنما الذين يقفون عند حد الله وحد الأخلاق من اتقى وأمن بقلبه ولسانه وجوارحه، الذين يقول الله فيهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}( )، لأنهم {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}( )، على رغم أنهم يتمكنون من الظلم بسبب الغلبة والسيادة.فإن أي حياد عن خط التوكل على الله إنما هو حياد عن العزة والمنعة، يقول تعالى: {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}( ).كما أن التوكل على الله هو السبيل لكف الظلم عن المجتمع وعن شخصياته، لأنه ركزن إلى القوة العظمى، وهو ليس مفهوماً غيبياً لا دخالة له في التأثير على الواقع {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}( ). وهذا لا يعني أن عدم الظفر بالحقوق التي يتم التحرك لنيلها تجرنا للتشكيك في التوكل وتركه، فإنما ذلك امتحان من الله يمتحن بها المؤمنين في صبرهم {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}( ).
2- تولي المؤمنين:من هو السند الذي يقف مع حركة الشخصيات ويقوي كلمتهم وموقفهم؟إن البحث عن العزة عند الظالمين والفاسدين هو عمل إجرامي كبير بحق النفس والناس، فالذي يتحرك باسم الناس المؤمنين ويتكلم بلسانهم يجب إن يركن إليهم ويستند عليهم، وإلا ستصبح مواقفه ضعيفة، ولن يظفر بشيء من مراده ومبتغاه في الغالب، وأعظم من ذلك كله لو تولى غير المؤمنين فأنه سينتابه الخوف والوجل منه، عكس من يتولى المؤمنين المظلومين، يقول تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}( ). كما أن هذه الولاية للفاسدين الطواغيت ضعيفة عكس ولاية المؤمنين والتي هي ولاية الله سبحانه، لأنها بأمره وفي طريقه والامتداد لولايته، يقول تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}( ).فهو أمر ينم عن سوء فهم لمصدرية القوة، ومن يمتلكها حقيقةً {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}( )، والله يتبرأ من هكذا عمل: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ}( ). لأن {َلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}( )، عن طريق{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}( ).فطريق العزة مع هؤلاء الظلمة يبدأ بتولي أبناء المجتمع الإيماني من المؤمنين الصادقين.
3- الكلمة المسؤولة:عندما يرى الظالمون من مجتمعنا الكلمة الصادقة المسؤولة التي لا ترتضي أي اعتداء على شخصياته، ويروا من علمائنا ووجهائنا النصح وبث الحقائق والكلمة الخيرة لأبناء مجتمعهم عند ذلك نعتز بعزة الله، يقول تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}( ).فالكلمة الطيبة التي تصعد إلى الله والتي بسببها يعز الله المؤمنين لوقوفهم معه هي تلك الكلمة التي تسفر عن وجه الحقيقة والحق المُصادر، وهي تلك الكلمة التي توقف المعتدي عند حده في اعتداءه على الخيرين، وهي تلك الكلمة التي يصدع بها المتوكلون على الله لنيل الحقوق المشروعة.إن على المجتمع - وكذا شخصياته الفاعلة- جعل الكلمة المسؤولة هي السفير الذي يُوصل للآخرين مقدار التكاتف والتضامن بين بعضنا البعض عند اشتباك المشاكل والأزمات عليه، وجعل الكلمة المسؤولة هي المُُظهرة لمقدار قوة ومنعة هذا المجتمع من الاعتداء، أو من السكوت عن الظلم والاضطهاد الذي يلف المجتمع في نواحيه كلها، حتى وصل الأمر بالناس للإحساس الأليم الطافح بالقهر والغبن الشديدين.هذه الكلمة التي تنم عن المقدرة في تثبيت الحقوق في ضمير الناس ووجدانهم والدفاع عنها عند مصادرتها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}( ).وبناءً على ذلك يجب على أبناء مجتمعنا وشخصياته تحري الكلمة المسؤولة الطيبة، والتي نحن مُسائلون عنها مستقبلاً من الأجيال القادمة في الدنيا، ومن الله سبحانه في الآخرة.
4- العمل الصالح المستمر: كيف يكون للإنسان أو المجتمع العزة وهو بعيد عن العمل الذي يقوي من تماسكه ولحمته وبنيانه؟!الأطراف الأخرى لا تحسب لأي مجتمع حساب إلا إذا كان لديه من القوة ما يجعله قادر على مواجهة المشكلات بالعمل والحركة، لا بالشعارات والادعاءات، وكذلك شخصيات المجتمع عندما يكون العمل والنشاط ديدنهم ومشروعهم يكون الله في صفهم، يقول تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..}.إن العمل الصالح هو الذي يقوي البناء الاجتماعي والديني، ويجعله أكثر تماسكاً ومتانةً، وهو الذي يجعل الأطراف الأخرى تحسب ألف حساب وحساب للمجتمع الذي يتخذه منهجاً ومسلكاً، بينما العمل الخبيث أو المرائي هو الذي يغري الآخرين بنا، ويوقع العداوة والبغضاء والتنافر والضعف بين أبناء مجتمعنا، وبالتالي تكالب الأعداء والنفعيين وأصحاب الاستبداد {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ( ).وعلى ذلك المطلوب من شخصياتنا الفاعلة أن يكون في واقعهم العملي البرامج والمشاريع التي تنهض بالناس دينياً وثقافياً وأخلاقياً، لا الاعتماد على التحرك الحقوقي فقط، فإن بناء القاعدة بين الناس هو مسألة مهمة جداً؛ مع الأخذ بالاعتبار الصدقية والأمانة في العمل الصالح، وأن يكون لوجه الله سبحانه وتعالى وتحت المظلة الشرعية الصحيحة.والنتيجة التي يتحصل عليه المجتمع والشخصيات من ذلك نجده في المقطع الأخر من الآية السابقة (فاطر/10) والتي تبين أن عمل السيئين يفسد إذ لا خير فيه، لأنه ينم عن نفس مريضة بالمكر: {..وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ}.ولهذا متى ما أراد المجتمع وشخصياته الاحترام من الأطراف الأخرى المستبدة- وإن لم يبدوها ويبينوها أولئك بشكل واضح- أن يقفوا المواقف المسؤولة ويطالبوا بالحقوق ويعلنون الكلمة التي فيها رضا لله سبحانه، كما فيها رفعاً للحيف والغبن الذي لحق بالمجتمع.
https://telegram.me/buratha