محمد عبد الجبار الشبوط ||
يعرف اكثر القراء (تدرس مادة الاقتصاد في الصف السادس ثانوي ادبي في المدارس العراقية) ان ادم سميث هو من اوائل العلماء، بعد ابن خلدون، الذين انشغلوا بعلم الاقتصاد. وهو عالم اقتصاد وفيلسوف اسكتلندي، ويُعتبر واحدًا من مؤسسي علم الاقتصاد الحديث. نشر آدم سميث كتابه الشهير "الثروة الأمم" (The Wealth of Nations) في عام 1776 حيث قام بتحليل العوامل التي تؤثر في الازدهار الاقتصادي للأمم. يصف سميث علم الاقتصاد كتحليل لسلوك الأفراد والأمم في اتخاذ القرارات الاقتصادية. ويعتبر السوق والعرض والطلب والتجارة هي العناصر الأساسية في نظام الاقتصاد، وأن تحقيق الثروة يتم بواسطة تبادل السلع والخدمات بين الأفراد والشركات. ومن بعد سميث توالى العلماء في بحث علم الاقتصاد مثل ماكس فيبر وكارل ماركس وصولا الى العصر الحديث.
وفي تناوله لمسألة الاقتصاد الاسلامي ميز السيد محمد باقر الصدر في كتابه "اقتصادنا" بين علم الاقتصاد وبين المذهب الاقتصادي.
فعلم الاقتصاد هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية واحداثها وظواهرها وربط تلك الاحداث والظواهر بالاسباب والعوامل العامة التي تتحكم فيها. (اقتصادنا ص ٢٦)
اما المذهب الاقتصادي فهو عبارة عن الطريقة التي يفضّل المجتمع اتباعها في حياته الاقتصادية وحل مشاكلها العملية.
وبين ان اختيار طريقة معينة لتنظيم الحياة الاقتصادية ليس اعتباطا مطلقا وانما يقوم دائما على اساس افكار ومفاهيم معينة ذات طابع اخلاقي او علمي او اي طابع اخر. (اقتصادنا ص ٢٧)
ويقول محمد دويدار في "مباديء الاقتصاد السياسي" ان علم الاقتصاد هو العلم المنشغل بدراسة العملية الانتاجية بين الانسان والطبيعة من جهة، وبين الانسان والانسان من جهة ثانية. (ص ١٦٧)
ويقترب هذا التعريف من تحليل السيد الصدر لعناصر المجتمع حيث بين ان المجتمع يتألف من ثلاثة عناصر هي: الانسان والارض، والعلاقة المعنوية بين الانسان والانسان، من جهة وبين الانسان والطبيعة من جهة ثانية.
وعرّف صامويل وزميله علم الاقتصاد بانه دراسة كيف يمكن للمجتمعات ان تستخدم مواردها النادرة لانتاج سلع قيمة و توزيعها بين مختلف الناس. (الاقتصاد ص ٣٠)
وفي شرح هذا التعريف قال: يكمن خلف هذا التعريف فكرتان رئيسيتان في علم الاقتصاد هما: ندرة السلع والرغبة في الكفاءة. الندرة تعني ان السلع محدودة في حين تبدو المطالب بلا حدود. واما الكفاءة فتعني عدم الهدر او استخدام الموارد الاقتصادية باكثر الطرق كفاءة لاشباع حاجات ورغبات الناس.
ويقول: ان جوهر علم الاقتصاد هو الاعتراف بحقيقة الندرة ثم نقرر كيف نبني المجتمع بطريقة تعطي اكفأ استخدام للمصادر. (بول سامويلسون، وليام نوردهاوس. ترجمة هشام عبد الله ط٢ ٢٠٠٦، ص ٣٠-٣١)
وقبل ان امضي قدما في المقال لابد ان اعالج
موضوع الندرة الوارد في التعريف اعلاه. ذلك ان بعض الاقتصاديين يعزو المشكلة الاقتصادية الى الندرة، ويعنون بذلك قلة الموارد الطبيعية قياسا الى الاحتياجات البشرية. ومن المفيد ان اطرح هنا الرؤية القرانية لهذه المسألة والتي تعالجها الايات التالية:
"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ. وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ".
وبناء على تفسير السيد الصدر لها، فان هذه هذا الايات تقرر ان جوهر المشكلة الاقتصادية يكمن في الانسان نفسه. ومعنى ذلك ان الله تعالى حشد للانسان في هذا الكون الفسيح كل مصالحه ومنافعه ووفر له الموارد الكافية لامداده بحياته وحاجاته الحياتية، ولكن الانسان هو الذي ضيع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له، بظلمه وكفرانه "إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ". فظلم الانسان في حياته العملية وكفرانه بالنعمة الالهية هما السببان الاساسيان للمشكلة الاقتصادية في حياة الانسان. ويتجسد ظلم الانسان على الصعيد الاقتصادي في سوء التوزيع ويتجسد كفرانه للنعمة في اهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها.(اقتصادنا، ص ٣٣٠). واما قوله:"وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ"، فهو يسير الى السؤال التكويني والاتيان التكويني. السؤال تعبير عن الحاجات الفعلية الكائنة في حياة الانسان، والاتيان التكويني تعبير عن توفر الاشياء التي تتطلبها حاجة الانسان.
https://telegram.me/buratha