محمد عبد الجبار الشبوط ||
في تصوري للدولة الحضارية الحديثة، يحظر على مسؤولي الدولة وموظفيها الكبار في القطاعات المدنية والعسكرية والقضائية القيام بانشطة اقتصادية بصورة مباشرة واير مباشرة وخاصة تلك التي تتضمن تعاقدات وتعاملات مالية وتجارية مع الدولة. فمثلا يحظر على المسؤول ان يتعاقد مع الدولة لتنفيذ مشروعاتها المختلفة، او تزويدها بمواد، بصورة فردية او من خلال شركة خاصة يملكها كليا أو جزئيًا او احد اقربائه الذين يشملون الابناء والبنات وازواجهم وزوجاتهم والاخوان والاخوات وازواجهم وابناء وبنات العم والعمة والخال والخالة وازواجهم وزوجاتهم. والسبب المباشر لهذا المنع هو تفادي حصول تضارب مصالح conflict of interests.
لا يمكن الغاء احتمال ان يستخدم المسؤول في الدولة موقعه الوظيفي من اجل الحصول على تعاقدات توريد او تنفيذ للدولة او تفضيلات لصالحه في التعاملات المالية مع الدولة. وللحيلولة دون هذا الاحتمال يتم منع المسؤول من القيام باي نشاط اقتصادي ما دام موجودا في الوظيفة ولفترة معينة يحددها القانون بعد خروجه من الوظيفة.
لقد لاحظنا بالتجربة في اكثر من بلد في العالم ان النافذة الاساسية للفساد هي المسؤول الحكومي الذي يستغل منصبه وموقعه من اجل الاثراء غير المشروع من خلال النشاط الاقتصادي. كما لاحظنا ان اكثر حالات الفساد المالي تحصل في القطاع العام. ولهذا قررنا منع المسؤول الحكومي من القيام باي نشاط اقتصادي. فكما يدعو البعض الى منع رجال الدين من التدخل بالسياسة، او منع رجال الجيش من التدخل بالسياسة، فنحن نمنع رجال الدولة من الدخول في النشاطات الاقتصادية. وبهذا نسد بابا كبيرا من ابواب الفساد.
يعد منع أعضاء الحكومة والمسؤولين الحكوميين من ممارسة الأنشطة الاقتصادية هو إجراء ضروري لمكافحة الفساد وتفادي تضارب المصالح. تاريخياً، كان هناك العديد من الأمثلة على المسؤولين الحكوميين الذين استفادوا من مواقعهم من أجل تحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة. قد يتضمن هذا التلاعب بعقود التوريد أو الاستدانة أو الاستثمار العقاري أو أي نشاط يتطلب التعامل المباشر مع الدولة.
عندما يمارس المسؤولون الحكوميون الأنشطة الاقتصادية، فإن ذلك يزيد من فرص تعرض النظام لخطر الفساد، حيث يمكنهم تحقيق مكاسب غير مشروعة أو التلاعب بعقود المناقصات أو توجيه الصفقات لأشخاص معينين بدلاً من اتخاذ القرارات بناءً على معايير موضوعية وعادلة. وبالتالي، فإن منع المسؤولين الحكوميين من القيام بأنشطة اقتصادية يسهم في تحقيق نزاهة النظام وحماية الموارد العامة.
وتوضح التجارب العملية في العديد من الدول أن هناك انتشاراً كبيراً للفساد المالي في القطاع العام، حيث يستغل بعض المسؤولين المواقع الحكومية لتحقيق مصالحهم الشخصية. ويشمل هذا الفساد العديد من الممارسات غير القانونية مثل الرشوة والاختلاس وتجديد العقود بشكل غير عادل والاحتيال المالي وغيرها. ومن خلال منع المسؤولين الحكوميين من القيام بالأنشطة الاقتصادية، يمكن تقليل احتمالية هذه الممارسات غير القانونية وتحقيق نزاهة أفضل في النظام.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يوفر منع المسؤولين الحكوميين من ممارسة الأنشطة الاقتصادية عدة فوائد أخرى، مثل تعزيز ثقة الجمهور في النظام، وتحفيز المسؤولين على التركيز على واجباتهم الرسمية وتنفيذ سياسات الدولة بنزاهة وفعالية. كما أنه يمكن أن يساعد في تعزيز الشفافية ومكافحة التحايل الضريبي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
بهذه الطريقة، يمكن للمسؤولين الحكوميين أن يكونوا نموذجاً للنزاهة والمصداقية والتفاني في خدمة المجتمع، دون أن يكون لديهم المصلحة الشخصية في الحصول على الربح غير المشروع. وعندما يكون المسؤولون الحكوميون ملزمين بقوانين تنص على منعهم من القيام بالنشاطات الاقتصادية، فإن ذلك يرسخ مفهوم الحكم الرشيد والمسؤولية العامة في المجتمع.
https://telegram.me/buratha