محمد عبد الجبار الشبوط ||
تمر هذه الايام الذكرى السنوية المشؤومة الاولى لقرار خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار في ابشع عملية خداع واحتيال على الشعب العراقي.
وفي نتيجة مباشرة لهذا القرار زادت واردات الحكومة، وقلت القدرة الشرائية للمواطنين. والامر لا يحتاج الى مختصين وخبراء لمعرفة ذلك. فالدولار النفطي هو المصدر الرئيسي للمال في العراق. فاذا تم تخفيض قيمة الدينار العراقي زاد بنفس النسبة حجم المدخولات المالية للدولة بعد تحويل الدولار النفطي الى دينار. هذه العملية تنفع الحكومة ووزارة المالية بالخصوص، لكنها في المقابل تضر الشعب العراقي وخاصة طبقة الموظفين التي تشكل العصب الرئيسي للحياة الاقتصادية في العراق، فضلا عن الارتفاع الفاحش في اسعار السلع، واغلبها مستورد ويتم دفع ثمنها بالدولار الذي زادت قيمته بالدينار. وهنا ايضا يدفع المستهلك الفرق في السعر.
اوردت الحكومة مبررات و "منافع" كثيرة لخفض قيمة الدينار. وانطوى كلام الحكومة على مغالطات كثيرة، لان المنفعة الحقيقية من هذا القرار هي خفض الضغط المالي على وزارة المالية وتخليصها من الضائقة المالية التي قيل انها تعاني منها، وهي ايضا حجة واهية لان اسعار النفط واصلت ارتفاعها بعد قرار خفض قيمة الدينار العراقي. قبل هذا القرار قدم الخبراء والاقتصاديون الكثير من المقترحات والافكار الى حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي لكن الحكومتين تجاهلتا هذه المقترحات، فيما ذهبت الحكومة الحالية فقط الى مقترح خفض قيمة الدينار. وبعد سنة من القرار المشؤوم لا يستطيع احد ان ينفي حقيقة ان المواطن العراقي هو المتضرر الاول من هذا القرار. ومهما حاول المنتفعون منه سياسيا وماليا التغطية على ذلك فان محاولاتهم تبوء بالفشل لان المواطن الذي يشتري الطحين والرز والدهن والسكر ومواد التنظيف وغيرها يعلم ان ارتفاع اسعار هذه المواد وغيرها هو النتيجة المباشرة للقرار الظالم. والكارثة ان الحكومة التي استفادت من خفض قيمة الدينار لم تفعل شيئا لمساعدة المواطنين المتضررين من قرارها. فتضاعفت معاناة العراقيين جراء ذلك. والمؤسف اكثر ان معظم القوى السياسية تواطأت مع الحكومة في قرارها المجحف ولم تقف بوجهها وقفة الحريص على مصالح المواطنين فيما التزم نواب هذه القوى الصمت ازاء القرار.
لا شك ان العراق بحاجة الى اصلاح جذري لاقتصاده المشوّه من جميع النواحي. والغريب ان المادة (25) من الدستور تقول: "تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسسٍ اقتصاديةٍ حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته." ولكننا لم نشهد اية خطوات جادة لاصلاح الاقتصاد العراقي منذ اقرار الدستور الى اليوم. فلم تتخذ خطوات مدروسة للانتقال من الاقتصاد الاشتراكي الموجه الى الاقتصاد الحر، ولم تتخذ خطوات جادة لزيادة انتاجية المجتمع في الزراعة والصناعة، ولم تتخذ خطوات جادة لحماية الانتاج المحلي، ولم تتخذ خطوات جادة للانتقال من الاقتصاد الريعي والاستهلاكي الى الاقتصاد الانتاجي، ولم تتخذ خطوات جادة للانتقال من الاقتصاد الاحادي (الاعتماد على النفط) الى تنويع مصادر المال وتعظيم ايرادات الدولة. وهكذا في مختلف المجالات. والنتيجة هي بقاء الاقتصاد العراقي على حالته من التخلف والاستهلاكية والاعتماد المفرط على الاستيراد وانفاق الجزء الاكبر من ميزانية الدولة على الرواتب.
كل هذا يحتم الذهاب الى وضع استراتيجية كبرى لاصلاح الاقتصاد وبالتالي تحسين الوضع المعاشي للمواطنين، على ان يضع هذه الاستراتيجية خبراء مختصون بالاقتصاد والمال والصناعة وينفذها اشخاص اكفاء مخلصون نزيهون. وهذان الشرطان غير متوفرين في الحكومة الحالية، الامر الذي يضطرنا الى ان نعقد الامل على الحكومة الجديدة اذا تم تشكيلها ضمن هذه الشروط.