الصفحة الاقتصادية

رفع سعر الدينار العراقي إلى الواجهة مجدداً

3524 2017-03-02

يطالب بعض الاقتصاديين العراقيين الحكومة برفع سعر صرف الدينار العراقي امام الدولار حتى ترتفع قوته الشرائية وتزداد الثقة به كونه يمثل سيادة العراق، كما يطالبون بضرورة وقف «دولرة» الاقتصاد من خلال منع التعامل داخلياً به وجعل المعاملات المحلية تقتصر على استعمال الدينار العراقي فقط.

 

لا بد من الإشارة إلى أن 70 في المئة من العملة المتداولة كانت مغطاة بالذهب وعملات أجنبية حتى عام 1981، والنسبة المتبقية بسندات الحكومة العراقية (قانون العملة)، وكان العراق آنذاك يطبق نظام بقايا قاعدة الذهب. ولأجل الحفاظ على الغطاء، ظلت الحكومات المتعاقبة تربط سياستها المالية، بخاصة الإنفاق الجاري والاستثماري، بحالة ميزان المدفوعات، والأخير كانت تحدده عائدات الحكومة من صادرات النفط. ولإنجاح هذا الربط طُبقت قيود إدارية على التحويل الخارجي بشقيه، تجارة السلع والخدمات وحركة رأس المال. وبذلك اتبعت سياسات نقدية ومالية محافظة أبقت على استقرار الدينار العراقي المثبت من قبل البنك المركزي على 3.2 دولار للدينار.

 

وأعطى الالتزام بغطاء الدينار سهولة للسلطة النقدية في ممارسة مهماتها حيث كان همها الوحيد الحفاظ على استقرار العملة، ولكن ذلك تحقق على حساب التنمية الاقتصادية التي لم يتم الإنفاق عليها كفاية خوفاً من أن تؤثر زيادة الإنفاق في استقرار العملة. ولكن خلال الحرب العراقية - الإيرانية التي تسببت بتلاشي احتياطات العراق الضخمة من العملة الأجنبية، تخلت الحكومة العراقية عن قانون العملة وبدأت تنفق على الحرب من دون قيود كمية، ما تسبب بانخفاض متواصل في سعر صرف الدينار أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية الرئيسية، بسبب تزايد الفجوة بين عرض العملة العراقية والطلب عليها. وزاد الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في 1991 الأمر سوءاً. وعلى رغم تمسك الحكومة بسعر الصرف الرسمي (3.2 دولار) للمعاملات الرسمية، نتج من استمرار تزايد الاختلال بين حجم العملة في التداول والطلب عليها سعر آخر للدينار هو سعر السوق الموازية أو السوق السوداء، وصل في بعض الأوقات إلى 4000 دينار للدولار.

 

وبعد احتلال العراق في 2003 ورفع الحظر عن صادرات النفط وعن احتياطاته من الودائع بالعملات الأجنبية في الخارج ولجوء البنك المركزي إلى تنظيم مزادات يومية لبيع الدولار، ما يعني سحب جزء من العملة المحلية، بدأت قيمة الدينار العراقي بالارتفاع تدريجاً حتى وصلت إلى 1200 دينار للدولار، وظلت تتراوح حول هذا المعدل. وأفقدت ظروف الحرب العراقية - الإيرانية والحصار الاقتصادي بعدها الدينار العراقي الكثير من اعتباره كمخزن للقيمة وكواسطة للتداول، ما تسبب في تحول معظم المعاملات في الداخل وبخاصة التجارة الداخلية بالسلع والخدمات، إلى الدولار، وبذلك تمت «دولرة» الاقتصاد العراقي.

 

من هذه الخلفية عن كيفية تغير سعر صرف الدينار العراقي على مدى السنوات الـ 36 الماضية، وكيف تمت «دولرة» الاقتصاد، حان الوقت لمناقشة ما يطرحه بعض الاقتصاديين الآن عندما يطالبون برفع سعر صرف الدينار ووقف «الدولرة».

 

منذ أكثر من أربع سنوات والمسؤولون في العراق يتحدثون عن مشروع للإصلاح النقدي يتم من خلاله رفع سعر صرف العملة العراقية مقابل الدولار بحيث يصبح الدينار الجديد مساوياً لـ 1.2 دينار للدولار بدلاً من 1200. ولكن الخطوة تأجلت إلى وقت لاحق بسبب خروج بعض المناطق العراقية عن سيطرة الحكومة بعد احتلال «داعش» لها. ثم بدأت العمليات العسكرية لاسترجاع هذه المناطق والتي لا زالت قائمة. ويتوقع أن تعود الحكومة إلى المشروع ذاته بعد انتهاء العمليات العسكرية. وإذا تم الإصلاح النقدي بنجاح، لا تعود هناك حاجة إلى استخدام الدولار في المعاملات المحلية. فالأخير حصل بعدما أصبح إنجاز المعاملات اليومية صعباً مع وصول قيمة الدولار الواحد إلى آلاف الدنانير، ما جعل الأفراد يلجؤون إلى التعامل بالدولار بدلاً من الدينار خصوصاً في المعاملات الكبيرة وفي اكتناز العملة. إذن لا يمكن إلغاء «دولرة» الاقتصاد العراقي بقرار إداري أو بأوامر إدارية من السلطة النقدية وإنما ستزول الظاهرة تدريجاً بزوال الأسباب التي أدت إليها، أي بعدما يتم الإصلاح النقدي المشار إليه أعلاه، لأن الدينار سيصبح بعدها واسطة سهلة للتداول ومخزناً للقيمة يغني عن استخدام الدولار.

 

ولكن الإصلاح النقدي بالشكل المذكور أعلاه لا يعني تحديد سعر صرف رسمي جديد للدينار في مقابل الدولار. فإذا ظل سعر صرفه معوماً كما هو حالياً، فقد يرتفع أو ينخفض وفقاً للعلاقة بين عرض الدينار والطلب عليه، فكلما ارتفع عرض الدينار مقابل استقرار أو انخفاض الطلب عليه، ينخفض سعر صرفه في مقابل الدولار. ويحصل العكس إذا انخفض عرض الدينار مقابل استقرار أو ارتفاع الطلب عليه. وقد تلجأ السلطة النقدية إلى تثبيت سعر الصرف الجديد بالدولار أو بسلة من العملات. ولكن في كل الأحوال لا ينصح بتبني سعر صرف مرتفع، فهو لا يعطي اعتباراً للاقتصاد أو يرفع قيمة السيادة الوطنية كما يعتقد البعض وإنما له تأثيرات سلبية في الاقتصاد. فسعر صرف الدينار العراقي السابق (3.2 دولار) كان مبالغاً فيه وسيظل مبالغاً فيه إذا تمت العودة إليه في المستقبل. فهو سيجعل الواردات أرخص ولكنه يعوق تحسن القدرات الإنتاجية والتصديرية للعراق، وقد يكون سعر 1.2 دينار للدولار أو دينار مقابل الدولار هو السعر المناسب. ولكن على الحكومة اتباع سياسات مالية ونقدية تساعد على الحفاظ عليه. بذلك يمكن القول إنَّ الدعوات التي نسمعها اليوم برفع سعر صرف الدينار وإلغاء «دولرة» الاقتصاد هي مطالبات غير محقة بالنسبة إلى الأول أو لا يمكن تحققها قبل الإصلاح النقدي بالنسبة إلى الثاني.

 

المصدر: الحياة

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك