كوثر العزاوي ||
حقيقة الخُلُق: ما يأخذ به الانسان نفسه من الآداب، وإنما سمّيَ خُلُقًا لأنه يصير كالخِلقة فيه، فالخُلُق هو الطبع المكتسب، وقيل: الخُلُق العظيم الصبر على الحق، وسعة البذل، وتدبير الأمور على مقتضى العقل بالصلاح والرفق والمداراة، وتحمّل المكاره في الدعاء إلى الله سبحانه والتجاوز والعفو، وبذل الجهد في نصرة المؤمنين، وترك الحسد والحرص ونحو ذلك،
ولقد حاز نبيّ الرحمة محمد" صلى الله عليه وآله" كلّ مكارم الخلق العظيم وأعلاه، فهو الشخصية العظيمة الذي اجتباه الله تعالى بالنبوة والفضل، واعتلى المكرمات، فكان بصفاته الحميدة مضرب الأمثال، صادقًا أمينًا وقد عُرف بين أبناء قومه قبل بعثته الشريفة، وقد عرّفه الله عزوجل بعد بعثته نبيّا حين اصطفاه بالرسالة نجيّا، فكلفه مهمة هداية البشرية في ذلك المجتمع الجاهليّ على بما فيه من عادات ومعتقدات خاطئة وتصرفات بالية، فكان دوره عظيمًا شاقًا لاحتواء ذلك الكمّ الهائل من التخلف والعدوانية عبر حواره ومنطقه الواضح، بهدف الإصلاح والهداية إلى ما فيه الخير والسعادة في الدنيا والآخرة،
ولابد ان نستلهم الدروس والعبر من سيرة النبيّ"صلى الله عليه وآله" ولعل أقرب سبل الوصول الى ذلك هو التأمل بما جاء في القران الكريم من خطاب الله تعالى للنبي الكريم، حيث يقول الله "عزوجل"
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} الجمعة ٢
فمنَ الملاحَظ في الآية المباركة تقديم مسألة تزكية النفس حسب المنهج الرّباني على مسألة التعلم والتعليم للقيم السماوية من جهة مع ضرورة الحكمة ووضع الاشياء في مواضعها، ومثل هذا التوالي في التربية والتأديب في منهج الله تعالى لعباده، محال أن يأتي من فراغ! مما يعني أن يكون الانسان عالمًا عارفًا ولكن في خطواته العملية وممارساته اليومية لايعمل بالمنهج العقلي وبمنهج العلم الذي تَعلّم، أو قد لايضع الامور في مواضعها الملائمة لذلك، لأن الحكمة غائبة عنه بالتطبيقات العملية مما يفقد العمل قيمته ومصداقه، فمن هنا يبيّن ربّ العالمين دور رسوله الأعظم في المجتمع باستهلال تكليفه بتزكية الانفس و تربية الذات وبعد ذلك يأتي التعليم بعد التزكية حسب المنهج الإلهي، فقد يكون الانسان عالمًا مثقفًا ولم يربّي نفسه وفق تعاليم السماء ولم يعتمد أخلاق الله! فمِثلُ هذا النموذج لايستطيع ان يؤدي دورًا إيجابيًا مؤثرًا في المجتمع يُعوَّل عليه، أوقد يكون يستخدِم العلم بضررِ نفسه وضرر الاخرين، فمَثَله مَثَلُ ذلك العَالِم الذي اخترع القنبلة الذرية فأبادَ عِلمُه مئآت الآلاف من البشر ضحايا نتيجة عدم الحكمة وغياب القيم!! ومن هنا نفهم ان التزكية وتربية الذات قبل التعلّم مرحلة أساسية مهمة ولها الأثر الكبير في نماء المجتمع..ومما يؤسف له! أننا وفي مثل زماننا هذا يفتقد العالم جانب التربية في كثير من مفاصل الحياة العملية، فكم من العلماء وحملة الشهادات ممن تميّزت شخصياتهم بالدناءة وانحطاط المستوى الاخلاقي اثناء الحوارات ومعالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية ما تعكس غياب الخلُق الحسن، والتخبط واضمحلال المنطق ليثبت حقيقة الإبتعاد عن قيم السماء على نحو التطبيق وفقدان وعي الانتماء إلى نبيّ الاسلام "صلى الله عليه وآله" وقد أوصى الله عباده باتّباعهِ قولًا وفعلًا إذ لايكفي مجرد الايمان وهو القائل سبحانه:
{لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}الاحزاب٢١
وبالتالي، فمن ادّعى انتماؤه الى رسول الله لابد من دراسة سيرة أتباع النبيّ والخلّص من أصحابه وكيف امتثلوا شخصية نبيّهم وتربيتِهِ الإلهية وأدبهِ السماوي الرفيع، امثال" أبي ذر وعمار وسلمان والمقداد وغيرهم..وكيف ربّاهم النبي بعد إسلامهم حتى وصلوا أعلى المقامات وسموّ الدرجات حدّ التفاني والفناء في سبيل الحق! فمن يكون الله تعالى له مربيًا ومؤدبًا سيكون الكمال رفيقًا له ومحيط به ولو كره الكافرون.
٢٨-صفر١٤٤٤هج
٢٥-٩-٢٠٢٢م
https://telegram.me/buratha