الكاتب الحقوقي علي الفارس ||
يتكون مصطلح القيادة من مفردة القيادة والتي تعني القدرة على التأثير في سوك الاخرين وتوجيههم نحو الهدف، باسلوب قيادي قائم على الحكمة والبصيرة ووضوح الرؤية، ويتسم القائد بالرشد والروحانية والذكاء العاطفي والرحمة واحترام الاخرين، وفي ضوء هذا المضمون يمكن أنَّ نبين طبيعة القيادة للأمام الحسين «ع» من خلاله القاء الضوء على سيرته المباركة اثناء رحلته من مكة الى العراق...
امتلك الامام الحسين «ع» المهارات القيادية اللازمة لإداء مهامه، ومنها مهارة قراءة الواقع السياسي وتحليله وتشخيص مشكلاته والتنبؤ به، والقدرة على صياغة رؤية مستقبلية ومهارة التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ تلك الخطط التي تحقق الرؤية، مكنه ذلك الادراك والفهم إعلانه رؤيته التي تحمل شعار الإصلاح، وتؤكد ضرورة استرجاع حقوق الرعية من السلطة التي تتحكم بمقدرات المسلمين وكما جاء في قوله «...أظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله... »، عبر الامام الحسين «ع» عن رؤيته ورسالته وأهدافه بوضوح للناس والتي تضمنت سعيه الى إحياء شعيرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق الشريعة الإسلامية «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآلة أريد أنَ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي» فكان الغرض من رؤيته ومبادئه وأهدافه تنوير الأْمة الاسلامية التي فقدت في عهد يزيد بن معاوية الإرادة والقدرة على الاختيار، بحيث كانت مصدر إلهام للامة الاسلامية سواء أكان في عصره او بعده، وتروي كتب التاريخ توالي الثورات بعد مقتله من قبل التوابين وغيرهم في الأجيال اللاحقة على السلطات الظالمة والى يومنا هذا.
ان رفض مبايعة يزيد نابع من ايمانه وبصيرته وادراكه عواقب سلوكه على حاضر الامة الإسلامية ومستقبلاها، بعبارة أخرى لو أنَّه قبل بخلافة يزيد يعني ذلك إعطائها الغطاء الشرعي وتأييده لكل ما يصدر منها من اعماله.
من جانب اخر ان الامام الحسين «ع» سبط النبي محمد صل الله عليه واله وسلم وخليفته الشرعي «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» ومن ثم هو أولى من غيره بتحمل مسؤولية قيادة الامة الإسلامية من الناحية الدينية، أضف الى ذلك أنَ للإمام مركزا اجتماعيا مرموقا بين العرب والمسلمين بحيث أنَ جميع المسلمين كانوا يصلون خلفه في الكعبة المشرفة في موسم الحج، لذا فمسؤوليته الاجتماعية تتطلب منه مواجهة السلطة القائمة الفاقدة للشرعية وما ترتب على ذلك من ظلم اجتماعي.
بالرغم من أنَ الامام الحسين «ع» حفيد النبي محمد صل الله عليه واله وسلم وخامس اصحاب الكساء، إلا انه بين للناس في رؤيته انه يسعى الى إحقاق الحق وليس له غاية أخرى غير نصرة الحق، وطلب منهم نصرة الحق كما جاء ذلك في كلامه «فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين». وحث الناس على القيام بواجبهم الديني وتحملهم المسؤولية المتمثلة بوجوب التصدي للسلطة الحاكمة التي تنتهك تعاليم واحكام القران الكريم وتخالف سنة النبي محمد صل الله عليه واله وسلم «من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان». لذا حري بمن يقتدي بالأمام الحسين «ع» وهو القائد المصلح أنَ يكون قادراً على اجراء تحليل شامل للظروف الداخلية والخارجية وتشخيص نقاط الضعف والقوة ومعرفة الفرص والتهديدات، والقيام بتشخيص مشاكل المجتمع، وبعدها يضع رؤيته وأهدافه الإصلاحية، ويسعى الى تطبيقها على ارض الواقع من خلال اعتماد خطط معينة.
اعتقد الامام الحسين «ع» أنَ الحياة الحقيقية تكون في ظل دولة قائمة على العدل والمساوة وتستقي احكامها من الشريعة الإسلامية، وليس في دولة يقودها أئمة الظلالة يتفشى فيها الفساد والانحراف ويظلم في ظلها عباد الله «فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً – ملل». لذا ومن اجل تغيير ذلك الواقع نحو الأفضل وتطبيقاً لرؤيته الاصلاحية، كانت له جهود ميدانية على ارض الواقع منها خروجه من المدينة الى مكة، ولقاءه الناس في بيت الله الحرام وحدثهم عن عزمه في مواجه السلطة الاموية، ووعظهم وذكرهم بالله وباليوم الاْخر، وبين لهم ضرورة مؤازرتهم له في التصدي لتلك السلطة، كونها تعمدت تهميش حقوقهم وتجاهلها ومخالفتها للكتاب والسنة النبوية، وكذلك وجه كتب ورسائل عديدة للوجهاء في العراق (البصرة) يدعوهم للالتحاق به، من اجل أحياء السنة النبوية واماتت البدعة التي ابتدعها الامويين وكما بين ذلك في قوله «فان السنة قد أميتت، وإن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد»، وكانت استجابة العراقيين لدعوته على ثلاثة اقسام، الفئة الاولى اثرت حب الدنيا على الاخرة وكان الحال كما جاء في حديثه « إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون » فوقفت الى جانب السلطة الاموية، والفئة الثانية وهم الموالين للأمام الحسين «ع» وكانوا ينتظرون قدومه الى العراق فألقاهم عبيد الله ابن زياد في السجن من اجل منعهم من نصرة الحسين «ع» مثل المختار الثقفي وغيره، والفئة الثالثة وعددهم قليل نسبيا ً وهؤلاء التحقوا بمعسكر الحسين «ع» مثل حبيب بن مظاهر الاسدي وغيره.
يبدو مما تقدم أنَ الامام سعى جاهداً في أداء أدواره القيادية و واجبه الشرعي والاجتماعي والإنساني، ووظف كل امكانياته وطاقته ولم يدخر جهد في سبيل ذلك، فشخص الخطر المتمثل بتحول الخلافة الى نظام وراثي، من دون مراعاة الشروط والمؤهلات والمعايير في اختيار الخليفة الذي يقود الامة الإسلامية، والتي أكد عليها القرآن الكريم والنبي محمد صل الله عليه واله وسلم، ونصح بضرورة اعادة تطبيق احكام وتعليمات القرآن الكريم والسنة النبوية في إدارة شؤون الناس بدلاً من إدارة شؤون الامة وفقاً للاْجتهادات الفردية او حسب اهواء ورغبات السلطة الحاكمة، ووضح للناس أنَ السلطة الحاكمة تعمدت احياء البدعة واماتت السنة مما يتطلب منهم مؤزرته للتصدي لذلك الانحراف، وبين لهم أنَ عليهم السعي لنيل حقوقهم من السلطة الحاكمة التي تنظر للرعية كخدم لها وتوظفهم كيفما تشاء دون حساب ورقابة، وليس مواطنين او مسلمين لهم حقوق وعليهم واجبات، فضلاً عن ذلك احتكار السلطة الحاكمة الأموال التي تأخذها من خلال الجباية لمصالحها الخاصة وتمنع الفقراء من حقوقهم الشرعية..