( بقلم : حيدر العكيلي )
ذكرنا في الحلقات السابقة ما نستطيع عن أصل موضوع بالفيدرالية في التشريع العراقي وأهميتها , بقي أن نأتي للحديث عن كيفية تكوين الأقاليم الفيدرالية وهو ما فصل في ((قانون الإجراءات التنفيذية للأقاليم الفيدرالية)) رقم 13 لسنة 2008 ولاسيما بعد أن أصبح الآن نافذا.
منذ بداية تشريع هذا القانون, وبالتحديد أيام مناقشة القانون في مجلس النواب, تم الاتفاق بين الكتل النيابية العراقية في مجلس النواب, على إن يؤخر تنفيذ هذا القانون لأسباب كثيرة منها سياسية ومنها قانونية, و الأسباب التي تهمنا هنا هي القانونية بالطبع, وسوف تتضح من خلال تناول مواد القانون تباعا.
القانون المذكور نشر في الجريدة الرسمية( الوقائع العراقية ) بتاريخ 11/2/2008 في العدد 4060, وللتذكير فان القاعدة المتبعة أن القوانين تصبح نافذة من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية, إلا إن هذا القانون كما قلنا قد نص على تاريخ أخر استثناءا من القاعدة وهذا ما جاء في المادة (22) التي نصت على (( ينفذ هذا القانون بعد 18 شهرا من تاريخ إقراره)), وذلك لحين إتمام إصدار قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم, والذي صدر بالفعل مؤخرا ونشر في جريدة الوقائع العراقية العدد 4070 بتاريخ 31/3/2008, وكذلك لحين إتمام إصدار القانون الأهم والذي يتوقف عليه تنفيذ كم كبير من القوانين وهو قانون الانتخابات والذي هو قيد المناقشة والإصدار في مجلس النواب العراقي, وعلى كل حال وكما هو معلوم, العراق في حالة بناء لكل مؤسساته الدستورية وكلها تحتاج إلى سن تشريعات تنظم عملها.. وهو أمر ايجابي فعملية بناء نظام قانوني يحتاج إلى وقت, والوقت هو في صالح إرساء العملية الدستورية.
وبالعودة إلى قانون الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم الفيدرالية فان المادة (1) منه حددت المناطق التي يمكنها إن تكون إقليما فيدراليا فقالت (( يتكون الإقليم من محافظة أو أكثر )) وهذا نص واضح, حيث تركت الخيار للمحافظات أي سكانها طبعا, فقد ترغب إحدى المحافظات في أن تكون إقليما لوحدها أو أن تتفق مع محافظات أخرى لتكون إقليما, نحن نفهم الخلفية السياسية التي جاء بسببها النص بهذه الكيفية, ولكن رغم ذلك فهو ايجابي جدا , فالمحافظات تختلف من حيث عدد السكان والموارد والمساحة والخلفيات العرقية والطائفية وحتى السياسية. وكل تلك أسباب وجيهة تعطيها حرية الاختيار في أن تكون إقليما لوحدها أو في أن تتفق مع محافظات أخرى تجتمع بينهم قواسم مشتركة, وثمة ملاحظة مهمة, إن اختيار أي من المحافظات لحجم الإقليم التي تريد تكوينه سواء من محافظة أو أكثر, لا يمنع أي محافظة أن تنضم إلى إقليم موجود فعلا ولكن بشروط نصت عليها الفقرة ثالثا من المادة الثانية التي سناتي إليها.
أما المادة (2) وهي الأهم فقد تكلمت عن كيفية تكوين الإقليم حيث نصت على ((يتم تكوين أي إقليم عن طريق الاستفتاء ويقدم الطلب بإحدى الطرق التالية:
أولا: طلب مقدم من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات المشكلة بموجب الدستور التي تروم تكوين الإقليم.
ثانيا: طلب مقدم من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.
ثالثا: في حالة طلب انضمام إحدى المحافظات إلى إقليم يقدم الطلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة مشفوعا بموافقة ثلث أعضاء المجلس التشريعي للأقاليم)).
إذن فالمادة ذكرت القاعدة الرئيسية في تكوين الإقليم وقالت ( عن طريق الاستفتاء ...) أي يعرض الموضوع على الناس وهم الذين يقررون, وبذلك لم تقل الحكومة هي التي تقرر, ولم تقل البرلمان هو الذي يقرر, الاستفتاء إذن.. وكلنا يعرف كيف يتم الاستفتاء .. مثلما عرض الدستور على الناس وذهبوا إلى الصناديق وقالوا نعم أو لا, دون تدخل أو خوف من احد, كذلك سيذهب الناس في المحافظات التي تعرض فيها الفيدرالية عليهم .. سيذهبون إلى نفس الصناديق ويقولون نعم أو لا دون تدخل من احد.
أما لماذا تعرض الفيدرالية على الناس ومن الذي يطلب ذلك فهذا ما تنص عليه الفقرتين (أولا وثانيا).. الفقرة الأولى فيها تفصيل فهي تذكر احد الجهات التي لها حق تقديم طلب الفيدرالية وهو ( ثلث الأعضاء في كل مجلس ...) هذا الجزء واضح وهو يعني ثلث أعضاء مجلس المحافظة, و العبارة اللاحقة ( من المجالس ...) إذا أضفنا هذه العبارة إلى التي سبقتها فإننا نحصل على معنى أن المشرع يقصد مجالس المحافظات التي ترغب في أن تكون إقليم, فلو اتفقت محافظة الديوانية والسماوة على ان تكون اقليم فيدرالي فيجب ان يقدم الطلب من قبل ثلث أعضاء مجلس محافظة الديوانية وثلث أعضاء محافظة السماوة, وكذلك وإذا رغبت محافظة واحدة فيجب ان يقدم الطلب من قبل ثلث أعضاء مجلس المحافظة المعنية , وكذلك الحال إذا كانت عدة محافظات ترغب في ان تكون إقليما فيجب ان يقدم الطلب من ثلث الأعضاء في كل من تلك المحافظات.
أما الجزء الثاني من الفقرة والحديث لايزال عن الفقرة أولا وهو ( المشكلة بموجب الدستور ...) فهذه العبارة هي التي تجعل القانون بأكمله معطلا في الوقت الحالي كما سبق واشرنا إلى ذلك, لان جميع مجالس المحافظات الحالية في العراق ليست مشكله وفق الدستور, وإنما وفق قانون إدارة الدولة الانتقالي, لأنها كما نتذكر انتخبت وتشكلت قبل صدور الدستور ألدائمي الحالي, وذلك إبان انتخاب الحكومة المؤقتة ( حكومة السيد الجعفري) وبقيت لحد الآن بانتظار صدور (قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم) الذي صدر حديثا, وعليه فإننا يجب ان ننتظر انتخاب مجالس محافظات جديدة لكي تكون وفق الدستور كما تشترط العبارة التي نحن بصددها, وهذا أيضا وقت إضافي يمكن ان يكون مهما للذين يرون بان موضوع الفيدرالية يجب ان يأخذ وقته, لأننا إذا انتظرنا انتخاب مجالس محافظات جديدة فعلينا, ان ننتظر حتى يستقر المجلس الجديد وتعرف توجهاته وخارطته السياسية و برنامج عمله , وذلك يأخذ وقتا إضافيا أيضا, فما بالك إذا أرادت محافظتين أو أكثر ان تكون اقليم .. فان ذلك سيأخذ وقتا مضاعفا. يتبع
https://telegram.me/buratha
