محمد مكي آل عيسى ||
نحن نتّخذ المواقف ، نحكم على الناس ، نحكم على الظواهر التي تمرُّ أمامنا ، نرجّح في دواخلنا الآراء ، نعتمد بعضاً منها ونطرح بعضاً، نقتنع بأمر ونرفض آخرَ ، حين نختار ونعتمد رأياً ما وموقفاً ما فإننا نحكم ، نقضي كما يفعل الحاكم أو القاضي في المحكمة بالضبط.
وكما يتنازع المتخاصمان ويحكم بينهما القاضي نحن أيضاً تتزاحم الأفكار في دواخلنا فنقضي لإحداها ونحكم . . في نفوسنا محكمة. . شاهدنا امرأة تعطي الفقير شيئاً في الشارع حكمنا بطيبتها ، ورجلاً يضرب طفلاً فيبكيه قضينا عليه بالظلم والإجرام وقسوة القلب شاهدنا على الشاشة رجلاً يدافع عن حقوق الآخرين ويهاجم الفاسدين حكمنا عليه بأنه شريف وأهل لأن ننتخبه . . وهكذا
وبما أننا لسنا معصومين فإن حكمنا غالباً ما يكون نابعاً من نفوسنا بكل شوائبها بذنوبها بملكاتها السيئة بأخلاقها الرذيلة بجهلها بعجزها بنقصها . . كيف سيكون هذا الحكم ؟! هل سينطبق على الحق انطباق الشعرة على الشعرة ؟!
لا بالتأكيد فكثيراً ما تحكم نفوسنا بما تهوى بما ترغب وتشتهي لاسيما إذا كان الأمر متعلقاً بالآخرين فإن نفوسنا تنطلق لتحكم وفق ما ترى لا وفق ما عليه الواقع.
شهواتنا ورغباتنا واهواؤنا ومصالحنا كلّها أدوات للضغط وبكل شدة حتى تكون هي المبدأ الذي تنطلق منه أحكامنا.
نعم عندنا العقل ، عندنا الشرع . . . هل هما فاعلان عندنا كما ينبغي ؟ ما هي نسبة الدور الذي يمارسانه في أحكامنا ؟!
كم مرّة اخترنا فيها حكم العقل أو حكم الشرع على الرغم من رفض نفوسنا له وتبنيناه ودافعنا عنه ونحن له كارهون ؟!
قد نعترف بحكم العقل بل وحتى الشرع على الرغم من عدم رغبتنا بهذا الحكم لكننا نادراً جداً أن ندافع وبكل قوّة عن هذا الحكم ما دمنا غير مذعنين ، فمثلاً لو كنّا كارهين لشخص ما ووقع هذا الشخص في موقف ووجدنا أن الحق معه فبأي روحيّة سنقف مدافعين عن الحق الذي هو بجانب من نكره؟
هل سنستميت و نقارع الظلم لنعاضد شخصاً نكرهه بمجرّد أنه على الحق؟!
بل في كثير من مواقفنا التي نتفاعل فيها إيجابيا ً وبكل شدّة مع الحق والشرع ، لو صارحنا أنفسنا لوجدنا أن هناك ميل نفسي ورغبة تكمن في دواخلنا تتطابق مع الحق والشرع وهي التي دفعتنا للتفاعل ، وهنا لا بد من أن نبحث عن هذا الميل والرغبة فقد تكون مصلحتنا الشخصيّة قد ارتبطت بالحق فدفاعنا عنها وليس عن الحق!!
أنت تكره فلاناً من الناس ووجدته في موقف لا يرضى به العقل والشرع ستكون عليه سيفاً ثقيلاً ستستجمع كل قواك للنيل منه . . أمّا إذا كان فلان الّذي تحب على ضلال في موقف ما ستحاول أن تلتمس له الأعذار من حسن الظن ومن حَمْلِهِ على سبعين محمل وهكذا.
أنا أختلف مع فلان بالرأي . . واكتشف دليلاً شرعياً جديداً على بطلان رأيه . . يا لها من نشوة و يا له من سرور بالغ . . انتصرت أخيرا وكسبت جولة جديدة !! هل هذا ما يريده الله ؟؟
لو اكتشفتُ العكس . . اكتشفت دليلاً على بطلان رأيي و أحقّيّة منافسي ، هل سيداخلني السرور نفسه لأني وقعت على الحق الذي كنت اجهل ؟! أم سأتستّر على ما وجدت ولا أعترف ؟!
وهل سينفعني أمام الله تستري على ما وجدت من الحق وعدم اعترافي والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره
نحن نحكم ، نحن نقضي ، هل نتحرّى العدالة في ذلك أم نحن من الظالمين ننتقي في أحكامنا ، وفي آرائنا ما ينسجم مع ألواث نفوسنا وكدوراتها ؟!.
أي دقّة نحتاج ! . . أي مصداقية علينا أن نعتمد! . . والورع هل كان في حساباتنا ؟. . هل خفنا الله واتقينا أقلَّ ظلمٍ ؟؟ أصغر إثمٍ ؟!
هل حكمنا بما أنزل الله؟ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون الفاسقون الكافرون
كم مرة خسرنا فيها عدالة أنفسنا حين تألمنا من ظهور الحق لأن فيه نصر لمن لا نحب ؟!
بل الأدهى . . كم من مرّة تحايلنا لنظهر الحق باطلاً والباطل حقاً بسبب رغبتنا وكم مرة حاولنا أن نطوّع حكم الشرع ليكون معنا وننزله على رغبتنا ليكون كما نريد لا أن نكون كما يريد.
كانت تلك وقفات لا بد منها مع نفس ليست معصومة . . وقد افلح من زكاها