الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
أولى الإسلام أهمية كبيرة للحرية الفكرية بوصفها مدعاة للتطور والارتقاء في الجوانب الثقافية والمعرفية من خلال حرية طرح الأسئلة والبحث عن إجاباتها بغية التنور والتبصر، وللدلالة على أهمية السؤال ذكر النبي الأكرم ( ص وآله ) بقوله " الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَمِفْتَاحُهُ السُّؤَالُ، فَسَلُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ : السَّائِلُ وَالْمُسْتَمِعُ، وَالْمُعَلِّمُ، وَالْمُجَابُ لَهُمْ"، وأشار إلى ذلك أيضاً الإمام علي (ع) بقوله " ولا يستحيين أحد إذا لم يعلم شيئاً أن يتعلمه فأن قيمة كل أمرء ما يعلم فتكلموا في العلم تتبين اقداركم " وقال أيضاً " سلوني قبل أن تفقدوني" كل هذه الأحاديث وغيرها تسهم في حشد الأذهان للتوجه نحو السؤال حتى في أحلك الظروف، وكما قيل أن تتحمل ذل السؤال لثوانٍ خير لك من أن لا تعرف الإجابة مدى الزمان، ولنا أن نقدم نموذجين في إتاحة الحرية في طرح الأسئلة في قبال نموذج ثانٍ مارس الإرهاب الفكري في عدم السماح بطرح الأسئلة
النموذج الأول : ( الحرية الفكرية ) إذ نُقل عن الإمام علي (ع) قصة عظيمة المغزى وبليغة العِبرة، إنه (ع) كان يتحضّر للخروج مع الجيش للقتال تقدّم إليه شخص وسأله سؤالاً مُعقّداً ـ وأقصد بالتعقيد يحتاج إلى تفصيل ووقت ـ وكان السؤال في التوحيد إذ قال الرجل "ما معنى أن يقال ان الله تعالى واحد ؟ هل واحد ليس بأثنين، أو أن لواحدانيته تفسيراً آخر ؟ " فاعترض بعض أصحاب الإمام علي (ع) على الرجل وقالوا هذا ليس وقت سؤال فإننا في وضع قتالي وحربي، فأجاب الإمام علي (ع) أصحابه " أليس قتالنا لإيقاظ الناس وتوعيتهم، إذاً ما المانع من الإجابة على سؤال هذا الشخص " ثم أجاب (ع) الرجل بشكل مفصّل ودقيق
النموذج الثاني : ( الإرهاب الفكري ) روى الدارمي في سننه والسيوطي في تفسيره وابن كثير في تفسيره وابن عساكر في تاريخ دمشق وابن أبي الحديد في شرح النهج " أن صبيغ بن عسل العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين ـ وهناك رواية تقول إنه سأل عن معنى والذاريات ذروا ـ حتى قدم مصر فكتب عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب يخبره بشأن صبيغ فكتب إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالكتاب قرأه عمر بن الخطاب فقال أين الرجل فقال في الرحل قال عمر أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني العقوبة الموجعة فأتاه به فأرسل إلى رطائب من جريد ـ وفي رواية عراجين النخل ـ فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة وأدمى رأسه ثم تركه حنى برأ ثم عاد إليه وهكذا عادها ثلاثاً , وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري " أما بعد : فأن صبيغ تكلف ما يخفى وضيَّع ما ولي فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه وإن مرض فلا تعودوه وإن مات فلا تشهدوه وإن لا يجالسه أحد من المسلمين، وأن يحرم عطاءه ورزقه " فلم يزل صبيغ وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم، وقال أبو عثمان النهدي : فلو جاء صبيغ ونحن مائة لتفرقنا، وقال ابن زرعة رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه فيناديهم الحلقة الأخرى عزمة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويدعونه"
فالنموذج العلوي مثل اتجاه التنوير والتثقيف والحرية، أما النموذج الآخر فمثل اتجاه الإرهاب والتجهيل، فالأول يؤمن بقيمة العلم والارتقاء بالأمة إلى مستويات معرفية عالية وناضجة لتنهض وتتقدم، فضلاً عن كفاءته ومقدرته في الإجابة على جميع الأسئلة فلم يجد حراجة في ذلك على العكس من النموذج الآخر وهو القائل " كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال "
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha