د. نعمه العبادي ||
في اكثر من مناسبة يدور جدل حول هوية الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين وخصوصياتهم القومية والعرقية، وترتيب معطيات جغرافية وسياسية على أساس هذا الجدل.
حسم القرآن الكريم هذا الجدل بعبارة جامعة مانعة لا مجال للتأويل فيها بقوله سبحان وتعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، وبهذا يظهر الأمر الرباني بوجوب الإيمان بكل الانبياء والرسل والكتب دون التفريق بين أحد منهم على أساس أنهم جميعاً يدعون إلى أمر واحد ورب واحد وحقيقة واحدة بغض النظر عن بعض التفاصيل العبادية والمعاملاتية التي أقتضتها الخصوصيتان الزمانية والمكانية.
لا يمكن القطع بعدد الانبياء والرسل بشكل حاسم إلا أن هناك أكثر من نص وإشارة تفيد بوجود مائة وأربعة وعشرين ألف نبي سلام الله عليهم اجمعين، بعثوا إلى البشرية على مر التأريخ، وكان ختامهم وسيدهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
يتضح من المدونات التاريخية والنصوص المقدسة، ان بعث الانبياء والرسل أخذ اشكال ونماذج مختلفة، فهناك نبي بعث لفرد واحد أو جماعة قليلة أو لقرية، ونبي آخر بعث إلى العالم كله كما هو الحال في أولي العزم الخمسة سلام الله عليهم، كما، ثبت، أن هناك أكثر من نبي وبعثة في زمن واحد وربما مكان واحد مع عدم التعارض والتضاد، وهذه الحالة استمرت إلى حين بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي ختم النبوات والرسالات، وألزم القرآن الكريم الجميع بالإيمان به وبدعوته، ورضي الاسلام ديناً للجميع، ولم يكن في عرضه أي بعث، ولم ولن يأتي بعده أي بعث إلى أن يطوي الله سبحانه وتعالى الارض ومن عليها.
حري بالذكر، أن الايمان والتصديق بالانبياء والرسل والكتب السماوية بحسب النص القرآني، لا يستوجب العمل بها أو التعبد بحسبها، بل يجب التعبد بالقرآن الكريم، بوصفه الرسالة الكاملة الخاتمة التامة المتضمنة لكل معاني وفصول الايمان الضرورية، والتي رسمت مظهر العبادات والمعاملات على الشكل الذي يجعلها صالحة وسارية من حيث البعثة النبوية المباركة وإلى نهاية الدنيا.
احترام وتقديس الاماكن والازمنة والمظاهر التي أرتبطت (حقيقة) بأي رسالة سماوية سابقة، يأتي في إطار التسليم للأمر الرباني الجامع على ان ذلك لا يرتب استحداث صياغات عقائدية او عبادية بحسب تلك الرسالات، بل حسم القرآن الكريم نفسه الامور عبر ضرورة التعبد بالطرح القرآني للعقيدة والشريعة حصراً.
ان هذا الفهم يجعل الامور واضحة في التعاطي مع كل طرح جدلي او تشكيكي او مشاغب او تضليلي او مغرض، بحيث يفرق بوضوح ما بين الاحترام والتقديس وبين التعبد والالتزام الذي يترتب عليه موقف الانسان يوم الحساب.
https://telegram.me/buratha