قاسم العجرش ||
في مجال الكيمياء التفاعلية، تشكل عملية تواجد الـــ (الشوارد الحرة – Free radicals) همًّا وهاجسًا يقتل فكرة العمل العلمي، إذ يؤدي وجودها إلى أن تصبح العملية التفاعلية فاشلة؛ أو غير مكتملة التكوين، وتتسبب بتلف المنتج..وفي المجال الطبي أحد أهم عوامل ظهور أمراض السرطانات، والشيخوخة والأمراض المستعصية، هو وجود (الشوارد الحرة) .
سياسيا في بلادنا أصبح تواجد (الشوارد الحرة) في عالم السياسة، أكثر بكثير مما يتصور معظم من يعمل في الحقل السياسي، فالعناصر المنفلتة سياسيا وفكريا في تنامي، والسبب هو أن النظام القائم، اعتمد فيه حرسه القديم على التأصيل لاحتكار العمل السياسي، ومنع غيره من المشاركة في الوظائف القيادية للدولة، وحصر فكرة تدوير المناصب عليهم وعلى أتباعهم فقط، فيما باقي مكونات الشعب لا قيمة لها في حساباتهم..خالتي وبنت خالتي وللغريبة فضالتي!
كانت المحصلة أَنْ صُنِعَ غول من أعنف الوحوش في شكل (شوارد حرة)، لأنها بكل بساطة أهملته ولم تشركه في التفاعل، لتخلق التجانس في تركيبة الخلطة السكانية والإدارية.
لذلك كان على تلك (الشوارد الحرة)، أن تتجمع أو ينفرد بعضها ليصنع عالمه الخاص، حيث لم يستوعبه عالم القوى المتصدرة للمشهد السياسي؛ وتم إقصاؤه، بينما تم تمكين كوادر تلك القوى، بحيث أصبحوا يتمتعون بكل الامتيازات، فيما تبحث فئات واسعة من الشعب عمَّنْ يلعق لها جراح فقرها وجوعها ومرضها، وكانت النتيجة أن أصبحت بمثابة (شوارد حرة) !.
مع أن العراق من أقدم الأوطان التي قدمت أنظمة حكم راقية، إلا أن واقعنا الراهن يفصح عن مشهد غرائبي يشي بأن خبرتنا السياسية قليلة، فالمشهد السياسي يدل على شيوع المراهقة السياسية، ومعظم السياسيين يديرون ظهورهم لمعظم العناصر الاجتماعية، متجاهلين حاجاتها ومطالبها الضرورية، ومعظم الساسة لا يعرف طريقا إلى الطبقات المحرومة والناس الهامشيين، ولا إلى الأقليات السياسية أوالطبقة المتوسطة التي تشكل عماد المجتمع.
الساسة وبعد ما حصل لمدة عام كامل، من الفتنة التشرينية، يعلمون أنه يستحيل تجاهل (الشوارد الحرة)، لأن في استطاعتهم أن يقوموا بتمزيق النظام بأكمله, فكلما زاد تجاهل الطبقات المحرومة التي تعاني المرارة كل يوم؛ وكلما تزايدت منافع غيرهم من النخب السياسية والاجتماعية ذات الحُظوة، فإن الطبقات المحرومة التي تمثل (الشوارد الحرة) وبدافع التحدي، ستكتسب قدرة أخطر على إحداث التمزق.
الحقيقة أن الطريقة الاستعلائية المتفشية التي يتصرف بموجبها السياسيون، ستقود حتما إلى مواجهة تُفضي إلى مزيد من التمزق، من خلال الاستجابة إلى بريق شعارات التغيير، والبحث عن العدالة؛ كأملٍ في التحرر من قبضة العناصر المتسلطة.
الأهداف القائمة على فرضيات استعلائية، لم تعد ذات نفع مع ما موجود في الميدان، فيما يتصاعد الإحساس بالغبن والرغبة بالتغيير.
حسب الإيقاع الذي تسير به الحياة السياسية العراقية، خصوصا بعد الانهيار السريع لحركة التظاهرات، التي شوشت على الحياة السياسية لمدة عام كامل، فإن من المشكوك به أن يحدث توافق وطني، بين مكونات الساحة السياسية، التي تكاثرت فيها (الشوارد الحرة) بشكل غريب!
اليوم قبل الغد، على جميع الفرقاء السياسيين الفاعلين، والمتّهمين جميعا بالفساد، على الأقل من قِبَلِ خصومهم السياسيين، أن ينزلواعن بغالهم، لا سيما أن الواقع المالي الذي وصل إليه العراق، أثبت أن معظم الذين تحملوا مسؤوليات سياسية، شاركوا في تفاقم الفساد والهدر، إِنْ لم يكن بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وذلك من خلال التغاضي وعدم المحاسبة.
إن وقت المشاركة الأكبر قد حان، وكلما زاد عدد العناصر الاجتماعية المشاركة في العملية السياسية، نكون قد اقتربنا من الوصول إلى عملية تنقيحية لذواتنا, وادَّخرْنا قوى الصراع لعملية البناء.
كلام قبل السلام: من العقل أن نستمع لكل من يتحدث، حتى وإن كان مجنونا..!
سلام..
https://telegram.me/buratha