المقالات

المراجعات الكبرى  


 سعد الزيدي

 

عندما تتقاطع انسيابية الحراك الطبيعي للأفراد والمجتمعات مع النظم التي اعتمدها الانسان في تصريف مفردات هذا الحراك ،فأن السلطات تعمد أولاً الى المراجعات للمنظومة التشريعية لإصلاحها  و كأول ما يُلتفت اليه هو التعديل أو إلغاء واستحداث في عدد من القوانين الحاكمة على مفردات الحراك ،وقد يأتي هذا الإصلاح  كنتاج حالة التطور المرحلية  في التشريع أو انعكاس لاستحداثات فيزياوية أو تكنولوجية وغيرها .

 وهنا تكون المراجعات غير محسوسة ولا مفاجئة .لكن عند وصول محاولات الإصلاح أو المصلح الى النهاية المسدودة دون الفلاح أو النجاح هنا يعني الانقلابية على الأعم الاغلب في التفكير حيث يأتي دور المراجعات الكبرى أو الجذرية والشمولية للأنظمة وأمهات القوانين ،ويغادر الكل الحلول الإصلاحية الجزئية أو الترقيعية.

 وغالباً تأتي هذه المراجعات بعد الإخفاقات الكبرى في انسيابية الحياة ضمن النظام المعتمد وغياب إمكانية تصريف المستجدات ،يرافقها نمو القناعة بضرورة التغير نتيجة تراكم السلبيات والشعور بغياب العدالة في اغلب الممارسات الاجتماعية أو ما ينظم التعايش السلمي بين مكونات الكوكب ، وفي الواقع هذا هو الذي تفاجئ به عالمنا اليوم في أجواء جائحة كورونا ، رغم أنه كانت هناك كتابات وأراي تؤكد بأن البشرية ومنذ زمن ليس بالقصير ترى بضرورة المراجعة لنظم العلاقة مع الطبيعة وبين مكوناتها وصرح به عدد غير قليل من علماء ومفكري الغرب فضلاً عن الشرق ،لكن اليوم  دفعت بهذه الحقيقة  الى صدارة الاحداث واصبح محل للتفكير والتأمل أو عجلت بإعلان فشل النظام العالمي انعكاسات جائحة كورونا هذا الوباء المدمر.

وبذلك كشفت كورونا عورات النظام العالمي التطبيقي ،وقد كان هذا النظام  من مخرجات نظريات الرسمالية والشيوعية وأنظمة الراديكالية والبرجوازية والاقطاع وإلغاء الملكية ونسبية الاخلاق واصالة الثروة وخيرا اضطرب العقل البشري الغربي في اعتبار نهاية التاريخ بسيادة (الديمقراطية الليبرالية )  .أذن نتيجة الفشل القاتل لأنظمة السيطرة على تمرير الحراك البشري دون تصادمات والتخبط في التصدي والاستيعاب لانعكاسات جائحة كورونا والفشل في استنتاج الحلول الناجعة للازمات والمفاجئات المدمرة للحياة في السلامة البشرية والاقتصادية والعلاقات الاجتماعية.

 هذه التأثيرات البالغة في خطورتها وغياب الحلول الناجعة، استدعت المراجعات الكبرى في دول أوربا وامريكا والشرق التابع أيديولوجيا في تشريعاته للفكر الغربي. بحيث وقف المبدئ الذي بُني عليه الضمان الصحي على سبيل المثال في طريق انقاذ حياة الانسان، لأن الاصالة للثروة لا لإنقاذ الحياة البشرية، وتُرك الانسان المسن والفقير يواجه الموت منفردا أما سبب المرض اًو الجوع.

 كانت المراجعات لما كانت تعتقد به الذات الإنسانية الملحدة أو المشركة والكافرة أو التائهّ والمشككة والمتحيرة، أي بلفظ أوضح واقصر غير المؤمنة بأنّ منهج السماء الذي بشر به الأنبياء والرسل هو الأمثل وهو الذي يجب أن يُتبع، ولذلك اليوم يجري الحديث في الجمعات العالمية ومراكز البحوث بضرورة العودة الى القوة الذكية او القوى الغيبية أو الماورائية أو الغير طبيعة أو أي من المصطلحات الأخرى التي تعني القدرة الغير متناهية أي واجب الوجود جل اسمه.

، وقد تجاوز التفكير مرحلة الحديث أو النظر في فهم الأسس النظرية للتشريع كما تجاوز من قبل التعديل والعمل بقوانين الطوارئ، ووصل الى تخطئة أسس نظريات بناءه مثل نظريات (أصل الخلقة أو ترك الكينونة وبأن الله رفع يده عن الخلق بعد ايجاده أو موت الاله أو الغاية تبرر الوسيلة أو العيش للأصلح) هذه النظريات التي كونت العقل البشري الغربي والتي كانت مصدر الثقافات والأيديولوجيات المعاصرة وكانت النتيجة هذه التشريعات المتهاوية. هذا التوجه يعني مراجعات كبرى للتراث بجملته  وهو تراث ضخم عمره يزيد بكثير على الفي عام وليس ما تبلور منه الى قوانين بعد الثورة الفرنسية وانهاء الوجود الكنائسي في الحياة العامة  وعصر التنوير أو ما افرزته من منظمات عالمية الحربين العالميتين في القرن المنصرم والحرب الباردة.

بل العودة الى الماضي السحيق أن لم نقل الى زمن سقراط وافلاطون وارسطو حيث كانت أسس تكوين العقل الغربي المسيطر اليوم على حركة المجتمع العالمي مباشرة أو بالتبعية كونه متقدم في تجسيد التكنولوجيا، ان العقل الغربي وبتعبير أخر الأيدولوجية في النظرية الرأسمالية التي من افرازاتها الليبرالية والعلمانية والحداثة كانت قد اختمرت منذ اكثر من خمسة قرون واصبحت تمثل الاصالة ومنبع فكري للحداثة  في نصف العالم الغربي رغم كثرة الفجوات والاخطاء القاتلة .

وهنا لا مناص من الإشارة أن على الشرق الإسلامي أيضا اجراء مراجعات كبرى في اولاً الابتعاد عن التقليد الاعمى للغرب وثانياً في استنباط الاحكام العملية والقوانين النصية في لغة عصرية للنظرية الإسلامية أو بتعبير اصح من الشريعة الخاتمة بما يؤمن انسيابية الحراك البشري وحل ازماته .

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك