المقالات

المرجعية الشيعية..وخيارات ما بعد السيستاني والخامنئي


د. علي المؤمن

القسم الثاني

المرجعية النجفية في العراق الجديد    

    شهدت الحوزة العلمية في النجف نهضة نوعية وكمية بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003. ولعل ما وصلت اليه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن يعد عملاً  إعجازياً. إذ استعادت النجف الأشرف جزءاً كبيراً من عافيتها، بعد حرب شاملة استمرت (35) عاماً، شنّها ضدها نظام البعث، فاعتقل وقتل وشرّد واضطهد أغلب منتسبيها. فقد كان عدد منتسبي حوزة النجف يبلغ في العام 1968حوالي (16) ألف طالب وأستاذ. وانخفض هذا العدد الى (500) فقط في العام 1991. أي أن نظام البعث قضى على أكثر من 90 بالمائة من وجود الحوزة النجفية خلال 24 سنة. و لو كانت الأمور تسير بشكل طبيعي بعد العام 1968، لارتفع عدد منتسبي الحوزة النجفية من (16) ألف الى (50) ألف منتسب في العام 2020.

   وجزء من هذه النهضة الجديدة بعد العام 2003؛ إستعادة الحوزة العلمية والمرجعية العليا دورهما وثقلهما المعنويين في الشأن الإجتماعي والسياسي العام، وعودة جميع مدارس الحوزة ومؤسساتها ومكتباتها العامة الى فاعليتها، وإضافة مدارس ومؤسسات جديدة، فضلاً عن نشوء النهضة البحثية المتمثلة في المجلات العلمية ومراكز البحوث والتحقيق.

    و قد كانت الحوزة العلمية ومرجعياتها، منذ عهود الإحتلال العثماني ثم الإحتلال الإنجليزي ثم النظام الملكي والجمهوري والبعثي، تعاني من الحرب الطائفية والعنصرية والعزلة والإضطهاد، تبعاً للسياسات الطائفية التي كانت تمارسها الحكومات العثمانية والعراقية ضد الإكثرية السكانية الشيعية. ثم تحولت هذه الحرب الى عملية استئصال واجتثاث منظمة في زمن النظام البعثي، فكان مراجع النجف يساقون الى المعتقلات وغرف الإعدام، أو يتعرضون الى التهجير، فضلاً عن إغلاق مدارسهم ومنعهم من التدريس وصلاة الجماعة وطباعة كتبهم. أما المراجع الذين يتحاشون أي نوع من التدخل في الشأن السياسي والشأن العام؛ فإنهم لم يسلموا من ضغوطات النظام وقمعه أيضاً؛ حتى وصل الوضع بعد إغتيال ثلاثة من مراجع النجف الكبار: الشيخ الغروي والشيخ البروجردي والسيد محمد الصدر؛ أن ينعزل المراجع في بيوتهم،  ولايخرجون حتى لأداء صلاة الجماعة وإلقاء دروسهم وزيارة مرقد الإمام علي. واستمرت سياسة النظام في عزل الحوزة والمراجع حتى سقوط النظام البعثي في العام 2003.

     ولكن بعد سقوط النظام البعثي الطائفي و تأسيس النظام السياسي الجديد الذي أعطى للمكون الشيعي العراقي (الأكثرية السكانية) جزءاً مهماً من حقوقه المذهبية والسياسية، وبات مشاركاً أساسياً في قيادة الدولة؛ تغيرت علاقة الحوزة العلمية والمرجعية الدينية النجفية بقضايا الشأن العام والدولة العراقية تغييراً جذرياً. فقد بدأت المرجعية العليا تمارس دورها الطبيعي في الرعاية الدينية الإجتماعية، وتشخيص المفاسد والمصالح العامة. وأخذ السيد السيستاني الذي يعتقد بولاية الفقيه الخاصة، أي عدم شمول الولاية لجانب الحكم؛ يمارس دوره الإرشادي والتوجيهي لحركة المجتمع والدولة من باب ولاية الفقيه على الأمور الحسبية. وهو الدور الشرعي الطبيعي الذي يتطلب توجيه حركة الدولة وإرشادها عندما يتطلب الأمر ذلك. وهو موقع لم يحظ به سابقاً أي مرجع في العراق، بمن فيهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي، الذين كانت لهم سطوتهم العامة وحضورهم شبه الرسمي في عهد الحكم البويهي الشيعي في بغداد.

(في مقال قادم سنفصل هذا الموضوع تحت عنوان: مراتب ولاية الفقيه في فقه الإمام الخوئي والإمام الخميني والشهيد الصدر والسيد السيستاني والسيد الخامنئي).     

     وفضلاً عن تأثيرات سقوط النظام البعثي ومشاركة الأحزاب الإسلامية الشيعية في حكم العراق؛ فإن الفضل الحسي الأهم في بقاء الحوزة النجفية ونهوضها وممارستها دورها الجديد، يعود الى أداء استثنائي لثلاثة مرجعيات دينية كبيرة:

1-  صبر السيد أبي القاسم الخوئي، حتى وفاته في العام 1992.

2- نهضة السيد محمد الصدر، حتى استشهاده في العام 1999.

3- حكمة السيد علي السيستاني، و لاسيما بعد العام 2003.

(المقال القادم: الحوزة العلمية في قم )

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك