المقالات

سلاما أيها الجابري...يا توأم الثقافة الوطنية الحره

1620 22:06:00 2008-02-18

( بقلم : د. نجاح العطيه )

ذلك جابر الجابري الشاعر العراقي الجسور والنبض الرافديني الهادر والقلم العاشق لنسمات الحرية العذبة في الجبال والأهوار والسهول العراقية الشماء وصاحب القلب الذي حمل هموم الوطن والشعب في كل نفس من أنفاسه في رحلة غرائبية امتدت على مدى ثلاث وعشرون دورة أرضية كان فيها الوطن المبتلى يئن تحت سياط الجلاد المقبوح الذي أهلك الحرث والنسل في بلاد لم تعرف الا بأرض السواد لكثرة خيراتها وطيبة شعبها على مر تاريخها الطويل.

رحلة البقاء بين الموت والحياة التي رافقت مسيرة الجابري واحاسيسه المرهفة ومشاعره الجياشة التي كان يسكبها على أوراق الشعر دما حزينا غاضبا يحسبه الغافل حبرا اسودا حيث كانت صرخاته المدوية معبرة عن أقوى معاني الأنتماء للوطن والرفض الأنساني المتصاعد لكل مظاهر الظلم والزيغ والأنحراف والجريمة القذرة بحق شعب الفراتين الذي مر بأسوأ فترة كوارثية مقيتة على يد الزمرة الصدامية البعثية المأجورة. هذه الرحلة كانت تجربة فريدة وفذة من ناحية كونها درسا يعلم الأجيال العراقية والعربية والأنسانية اللاحقة كيف يكون الأنسان مظلوما فينتصر. فليس ثمة شك أن هذه التجربة الغنية بالعبر والدروس الناصعة أفرزت لنا معطيات تؤكد أن مقياس التألق والعطاء والكارزمية الأدبية يتعلق بحجم الألم والمعاناة والصبر الذي يعجز عن تحمله الصبر والذي تجسد في نخبة أصيلة من الشعراء والأدباء والكتاب والمثقفين العراقيين الذين أبوا ألا أن يكون الوطن عشا رائعا لعصافيره المغردة بحبه والصادحة بعنفوانه وحريته التي هي أغلى قيمة في الوجود ويقف على رأس هذه الثلة الطيبة الشريفة والأبية صوت الشرف العراقي الأبي جابر الجابري الذي ظل واقفا بكل عزته واباءه كعمته النخلة العراقية التي لايكسرها الموت الصدامي البعثي البغيض.

أقول هل عرفت الساحة الأدبية والثقافية صوتا عربيا وعراقيا ينحت الشعر من آهات قلبه المفعم بحب العراق والعراقيين ويحفر في صخور الضمائر كي ينتبه العالم الى مأساة شعب كان له وطن تحول الى مسلخ بشري وآلة صماء لأنتاج الموت المستديم مثل الجابري الذي واصل عطاءه الثر على الرغم من الثمن الباهض وفداحة الضريبة التي دفعها على شكل أضاحي وقرابين على مذبح الحرية من عائلته الكريمة حيث أعدمهم النظام الصدامي المقبور ولم يسكت أو ينهار ذلك الصوت العراقي المدوي بل ظل صادحا مدويا مغردا فوق حقول الألغام وأزيز الموت المجاني المنثور مطرا كوارثيا فوق رؤوس العراقيين الأبرياء وجيرانهم من شعوب دول الجوار الذين اكتووا بنار الحقد الصدامي الأسود لاسيما الشعبين الأيراني والكويتي.

وليس غريبا على الجابري الذي شرب ماء دجلة والفرات أن يكون المثال البار والقدوة المضيئة للمثقفين والشعراء والكتاب والأدباء الذين لم يقايضوا أقلامهم المعبرة عن هويتهم الوطنية وانتمائهم المتجذر في أرض الرافدين بفتات الخبز الصدامي المعجون بدم الأحرار والأطهار من أبناء العراق الغيارى ليس غريبا على صوت الضمير العراقي هذا أن يزلزل الأرض تحت أقدام الطاغية المستبد بقلمه الحر الجريء ونهضته الوطنية الأبية والتي تستمد قوتها واستمرارية صولاتها من قدوة الثورة الأنسانية ومعلم الأحرار في هذا العالم الأمام الشهيد الحسين عليه السلام وصحبه الأبرار صلوات الله عليهم أجمعين.

وبعد سقوط الصنم الأخرق وتهاوي كيان الفساد والرذيلة الذي اعتاش على دماء الملايين من العراقيين الأحرار بقي هذا الرجل عنوانا للتمسك بوحدة الكلمة العراقية ومنافحا لحفظ دماء العراقيين ولم شملهم وتذكير دول العرب الأعراب بأن العراق بلد الثقافة والقلم والأبداع كان وسيبقى جمجمة العرب التي يمشي من خلالها الجسد العربي وأن على هذه الدول أن تلتحم مع الشعب العراقي بدلا من أن تهديه العبوات الناسفة والشباب المغرر بهم عبر الحدود لكي يفجروا أجسادهم النتنة وسط حشود العراقيين الأبرياء.

وقد استغل الجابري كل أحتفالية أو مؤتمر أو ندوة عقدتها وزارة الثقافة على مدى الأربع سنوات الماضية في شمال العراق أو وسطه أو جنوبه وأهواره الباسلة ليتخذها منبرا وطنيا يدعو من خلاله جميع الشرائح المجتمعية العراقية وفي مقدمتهم الوسط الثقافي العراقي لنبذ ثقافة الأستعداء الطائفي و ضرورة التمسك بثوابت الثقافة الوطنية الصميمة والحرة على الرغم من كل الصعوبات التي واجهته ومن سار على دربه من حملة القلم والمبدعين بعد الأفرازات المؤلمة التي أنتجتها التجاذبات السياسية بين الكتل المختلفة والداخلة في العملية السياسية والتي دفعت ثمنها مسيرة العطاء الثقافي في البلد لاسيما في العام المنصرم والذي شهد تعثرا واضحا وفشلا ذريعا في دور من تسلم رعاية خيمة الثقافة العراقية بسبب أعطاء كرسي هذه الوزارة التي أطلق عليها بعض ركاب الموجة السياسية أسم الوزارة التافهة لشخص لا ينتمي الى عالم الثقافة والمثقفين وبعيد عنهم بعد الثرى من الثريا بعد أن جاءت به عملية المحاصصة السياسية الفاشلة.

حيث بقي الجابري صابرا قويا رابط الجأش ولاتأخذه في قولة الحق والدفاع عن حقوق المثقفين العراقيين لومة لائم بعدما تعرضت هذه الحقوق الى المصادرة من قبل الوزير السابق على الرغم من كل المعوقات التي وضعها ذلك الوزير في طريقه والتي وصلت الى حدود التهديد الواضح بتصفيته جسديا كما صرح الأستاذ جابر بنفسه عن ذلك في مقال له نشر العام الماضي بل ووصل الأمر الى قيام الوزير بشكل غير قانوني وفاضح بسحب صلاحيات الجابري كونه الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة وكل ذلك بسبب تصدي الجابري ووقوفه بحزم الى جانب المثقفين وهمومهم الكثيرة وبذلك فقد وقف الجابري وقفة شمم رائعة بوجه هذا الوزير الذي عمل على تحقيق أجندة سياسية أريد من خلالها بث الفرقة الطائفية المشبوهة بين الوسط الثقافي العراقي.

كلمة حق وصدق يجب أن نقولها اليوم... أن هذا الجابري كان وسيبقى كما عهدناه صوتا وكيانا عراقيا مبدعا يداوي جراحات الثقافة العراقية ويدعو الى نبذ ثقافة العنف والأستعداء الطائفي وبناء عراق الثقافة والابداع والفن مجسدا هذا التوجه في هوية الأنتماء الوطني والفعل السلوكي في حث الخطى نحو لملمة شتات التباعد بين المثقفين العراقيين من الذين يمتلكون الخط الوطني الأصيل وسعيه الدائب لأرساء ثوابت ثقافية وطنية مشتركة يتمحور حولها أبداع وطموح وأمل كل مثقف عراقي شريف يؤمن بضرورة دور الثقافة في تحصين وعي المواطن وأعادة تأهيل ثقافته التي تعرضت للتشويه والتخريب والنسف المقصود من قبل النظام الصدامي البائد في الأتجاه الذي يحقق الأهداف التي تصبو أليها جميع الأقلام والعقول المبدعة الحره والتوجه نحو أعادة زمام المبادرة للثقافة العراقية الأصيلة كي تأخذ دورها بهذا الأتجاه.

كم كنت وما زلت رائعا أيها الجابري... يوم أن صيرت نفسك خيمة للدفاع عن المثقفين الذين لم يجدوا آذانا صاغية لهم من ركاب الموجات السياسية في بلدنا العزيز الممتحن والذي نرجو من الله العلي القدير أن يمن عليه بالأمن والأمان والخير والتقدم المنشود حيث ترجمت بشكل واقعي نبيل على أرض الواقع الثقافي الميداني الشعار الذي يقول ( أن ما تفرقه السياسة تجمعه الثقافه ).وياليت قومي من الساسة العراقيين يبصرون أن مناضلا وفيا لتربة أرض الفراتين وهموم شعبها وغصنا أصيلا من غصون شجرة الثقافة العراقية الباسقة لهو أولى وأوفر عطاءا في أن يقود دفة السفينة الثقافية العراقية نحو شواطيء الأمن والأمان.

وعذرا أيها السيد الجابري...أذ ربما جعلني الحراك الميداني في فضاءات المشهد السياسي طيلة السنوات الأربعة المنصرمة أغرق حتى أذني في تفاصيل وتداعيات ذلك المشهد ونسيت في خضم تلك التداعيات وبتقصير أخوي مني أن أثني على ثباتك وعنفوانك الأشم ولكني على الرغم من كل الهموم والأوجاع والشجون التي ملئت وجودي وخواطري وقلمي وقلقي المشروع المتعاظم على شعبنا ووطننا لاسيما وأنا الخارج من تراكمات ما حدث في مدينتنا المحاطة بما يسمى سابقا بمثلث الموت كنت أراك وأتابع سعيك وأنت ترتدي ثياب صدقك الوطني مشمرا عن ساعديك مذكرا وداعيا في كل الحواضر والمدن العراقية التي زرتها لاسيما في أهوار العراق البطلة الى تفعيل دور الثقافة العراقية والدفع باتجاه ألزام السياسيين العراقيين للأهتمام الموضوعي والجدي بالدور الفاعل والخطير الذي يمكن أن تلعبه موضوعة الثقافة والتحصين الثقافي في تعميق أحساس الفرد والمجتمع ودورهما في بناء الحياة والوطن.

لايخفى قمرك...أيها السيد الجابري حتى وأن تناسى دورك الرائع بعضهم عن عمد أو غير عمد وستبقى بأذن الله ذلك القلم الأشم والصوت الرافديني الغيور والقلب النابض بعشق العراق المقدس والعنفوان المليء بالأباء والأنتماء المشبع بالولاء الصادق للعراق والعراقيين الشرفاء.وبعد التي واللتيا يا بن النخلة العراقية الباسلة فمن أولى منك أن يكون حادي المسيرة الثقافية في عراق المقدسات الصابر الممتحن ومن أولى منك أن يكون راعي الخيمة الثقافية الكبرى والجدير أن تلتف حوله جميع الأقلام المنصفة والواعية في وسطنا الثقافي.أنها دعوة أوجهها الى الضمير الثقافي العراقي والى الساسة الوطنيين وعشاق الحقيقة الناصعة أنه لشرف كبير أن يكون جابر الجابري وزيرا للأبداع الثقافي وهو المبدع والمناضل والمضحي الذي يتشرف به كرسي المنصب والخيمة الثقافية في عراقنا العزيز.

د. نجاح العطيه كاتب ومثقف عراقي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
سلام
2008-02-25
كم أحب هذا الإنسان الذي لم ولن يعطى حقه وما قدروه حق قدره شكراً لك دكتور نجاح وأتمنى من الأستاذ مدين أن يقرأ مقالتك .
أبو عبدالله القطيفي
2008-02-23
أرى الشعر في مدحه ألكنُ وهل يُنصف الشاعر المؤمنُ أجابرَ كسر قوافي السنا لأنت لنجمِ السرى المعدنُ من الخط هاقد نحاك الهوى سلام الفراتين يا "مدين" كن كما أنت يا جابر ثابتاً صلباً لتبقى محبتك كذلك في قلوب عاشقيك تحية لك ولأهلي -كل العراقيين- من القطيف المحبّة لكم.
بلداوي للعظم
2008-02-19
اتمنى ان يكون جابر الجابري وزيرا لانه افضل من يستحق ان ينهض بمسؤوليه اي وزاره يتقلد مهمتها وجابر الجابري هل يحتاج الى تعريف او سيره ذاتيه شاعر ومجاهد ووطني وعراقي حد العظم اضافه الى انه من عائله مناضله تزيده فخرا وعلوا انه حارب العفالقه واعدم اهله واخوته سلام وتحيه الى جابر الجابري وعهدا سياتي يوما تتقلد مكانك الحقيقي وفي ارقى الوزارات
كي لايحدث هذة المرة
2008-02-19
كان المفروض هذا ان لايحدث حيث ابعد هذا المخلص العراقي المناضل الصوت الناطق بسسب المحاصصة من هذة الوزارة المهمة لا بل هذة الوزارة وزارة الثقافة سرقت واختصبت من الارهابيون في زمن وزير الثقافة الارهابي الهارب
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك