قاسم العجرش
لعل ما يشرح العديد من الظواهر السياسية حديث ما أصطلح على تسميته رغبة القوى السياسية عن في الحوار، وتأكيدها على ضرورة ممارسته، وإصرارها على القول بانه الطريق الوحيد، لمعالجة أزمات البلاد، ومع ذلك فلا وجود لاي حوار على ارض الواقع، فما ان يتم الإعلان عن حوار حتى يتم تأجيله، لان هناك شروطاً لبدئه تستدعي شروطاً مضادة، وهكذا دواليك!
يمكن تفسير ذلك بوجود أجندتين للحوار: الأولى والأكثر أثرا هي أجندة خاصة مضمرة تقوم على التفرد والذاتية، أما الثانية فتمثل الأجندة العامة معلنة، ولان الأجندة العامة ليست صادقة ولا حقيقية، فانها تركز على العموميات والغموض، وذلك يمكن المتحاورين من التهرب من نتائج الحوار اذا لم تكن مطابقة لأجندتهم الخاصة، أما الأجندة الخاصة فهي تلك التي ليست مطروحة على طاولة الحوار! لذلك يصعب التعرف عليها، وبما ان لكل الأطراف أجنداتهم الخاصة، فان الحوار يصبح حوار الطرشان!
من المستحيل المبادرة الى تقديم تنازلات، لان كل طرف يخاف ان هو بادر الى تقديم أي تنازلات ان لا يقابله الطرف الآخر بتقديم تنازلات متساوية او مقابلة، إذ ان كل طرف ينتظر ان يبدأ الطرف الآخر بتقديم التنازلات اولا، لكي يتلقفها دون أن يبادر هو بتقديم أي تنازلات، والشك إنها دائرة مفرغة تنتهي من حيث تبدأ!
من دون المساس بأستحقاقات السياسة ، فإن كسر هذ الحلقة المفرغة، يتطلب إدخال الشعب طرفا في حوار الكتل السياسية، وذلك ضروري جدا عندما تتدنى الثقة بين القوى السياسية، ولان الشعب هو الحكم الضابط لحركة القوى السياسية، فأن الاعتراف به كأساس في عملية حوار الكتل سيحد من الأجندات الخاصة، وسيوسع من الأجندات العامة، وبذا يكون التحاور حول الأجندات العامة صادقا وحقيقيا، وصولا الى الاتفاق على حد أدنى يشكل قاعدة لإنطلاقة أرحب ، ولا شك ان حصول توافق حقيقي على الحد الأدنى يؤدي الى بناء الثقة بين الأطراف المتحاورة، ذلك ان ما يتم الاتفاق عليه من القضايا العامة يكون الشعب شاهدا و عامل ضغط على كل الأطراف للوفاء بما تم الالتزام به من قبل الأطراف.
إن الرجوع الى الشعب والاستفادة من التغذية الاسترجاعية، يمثل وسيلة لإعادة النظر حول المواقف المختلفة، ويسمح للقوى السياسية التراجع بماء وجه محفوظ عن المواقف غير المرغوبة من قبل الشعب.
عندما يفقد الشعب ثقته بالقوى السياسية المنتجة للنظام، فانه سوف لن يتعامل معها، و بالتالي فان هذا النظام لا بد و ان يموت،، والشعب لا يهمه اسم من يحكمه او أسرته او منطقته او حتى حزبه، ولكن الذي يهمه هو ان يسعى من يحكمه الى مساعدته على حل مشاكله وعلى تنمية الفرص المتاح له، أي ان ما يهمه هو تحسين مستوى معيشته.
يمكن القول بأن كل أجندات الحوار المطروحة لا تهم الشعب بالتفصيل، و المهم لديه هو من هو قادر على مساعدته على حل مشاكله بتكاليف اقل وعلى استغلال الفرص المتاحة له بكفاءة أعلى،، لذلك فانه لن يهتم بشكل الحوار بل هو معني بنتائجه، وللأسف الشديد فان الجدل بين القوى السياسية الآن، لا علاقة للشعب به لانه لن يترتب عليه الاهتمام بمشاكل الشعب و بمصالحه، وحتى الدعوة للتداول السلمي للسلطة بين القوى السياسية لا تهم الشعب لأنها تخص الساسة فقط، فليس الهدف منها تمكين الشعب من حقوقه وانما هدفها تمكين بعض الساسة من الحكم، وذلك هدف لا يهم الشعب، ان ما يهم الشعب هو ان أن توجد السياسة مناخا لتنافس ايجابي بين القوى السياسية على خدمة الشعب والاهتمام به.
هكذا فإن الدعوة للمشاركة السياسية أو الشراكة السياسية، لا تعني عند رجل الشارع الا تقاسم لمغانم السلطة بينها، فذلك أمر يهم الساسة اكثر من الشعب، و نما الذي يهم الشعب هو اذا كانت المشاركة الواسعة للقوى السياسية ستعمل على تحقيق الاستقرار والأمن والتعاون في تحقيق الانجازات الكبيرة التي تحتاج الى اكبر قدر من الجهود.
لتحقيق حوار فعال مع الشعب، فلا بد ان تكون معاناة وطموحاته على طاولة الحوار بين القوى السياسية، ولاشك ان واقعه الأقتصادي يمثل أهم جوانب معاناته وطموحاته، فالشعب،من حقه ان يحلم بالتحسن وان يلمسه، ومن حقه ان يتأكد من ان مستقبله سيكون أفضل من حاضره وان مستقبل أبنائه وأحفاده أفضل مما كان عليه حال أبائه وأجداده او حتى من حاله الحالي.
اذا لم تكن هذه القضايا أساس الحوار بين القوى السياسية، فإن هذا الحوار سيظل يراوح مكانه حول مصالح هذه القوى متجاهلا مصالح الشعب، وفي هذه الحالة فان الاتفاق بين هذه القوى السياسية من الممكن ان يحل مشاكلها، ولكنه بكل تأكيد لن يحل مشاكل الشعب، وستزداد معاناته، ما يهدد الاستقرار السياسي الذي لن تكون القوى السياسية قادرة على المحافظة عليه.
https://telegram.me/buratha