المقالات

هل يمكن أن نستفيد من تجربة التربية والتعليم في الصين ؟

2003 17:49:00 2008-02-05

( بقلم : أ. د. حاتم جبار الربيعي* )

"دع الصين نائمة لأنها عندما تستيقظ فسوف يندم العالم" (نابليون بونابرت)لم أطلع من قبل على العجائب والغرائب في الصين حتى وطأت قدمي أرضها قبل أكثر من عام ،فقد شهدت الصين تطورا كبيرا في الإقتصاد وإنشاء المصانع والمباني الشاهقة والفنادق والطرق الحديثة والمطارات والجامعات والخدمات العامة وقد صدق رسولنا الكريم صلى الله علية وآله عندما قال (إطلبوا العلم ولو في الصين)، إذ أن أهم سر في تقدمهم هو إهتمامهم الكبير بالنظام التعليمي لبناء أكبر رأسمال بشري في العالم.كانت الصين تعيش إنغلاقا كاملا في وجه الغرب منذ 1820 م الا أنها كانت تحافظ على علاقة تجارية مع بريطانيا تقايض بموجبها الحرير والشاي بالقطنيات المصنوعة في الهند والأفيون المنتج أيضا في هذه المستعمرة البريطانية في حينها ، الا ان سلطات الامبراطورية الصينية قامت سنة 1839 م بإصدار قانون يمنع إستيراد الأفيون لذا غضبت بريطانيا لهذا القرار فقررت شن حرب عسكرية عليها سميت حرب الافيون في الفترة 1840-1842 م وإنتهت الحرب بإنتصار بريطانيا والتوقيع على معاهدة دفعت الصين بموجبها تعويضات كبيرة وتنازلت عن هونغ كونغ مما فتح الطريق لغزو القوى الغربية الكبرى للصين واحدة تلو الاخرى إذ كان من أهم أهداف حرب الأفيون هو القضاء على عزلة الصين بالقوة مما اضطرها لفتح أبوابها والتخلي عن مناهج التعليم القديمة التي كانت تسمى "النقد النصي" لأن هذا النوع لم يكن كافيا لمعالجة المواقف السياسية والإجتماعية المضطربة، فظهرت مجموعة من طبقة المثقفين الإقطاعيين الذين تحلو بالجرأة والجسارة، وأعربوا عن إستيائهم إزاء التعليم الكلاسيكي التقليدي الذي يتسم بضيق الأفق والرؤية غير الواقعية وبذلك بدأت أولى خطوات التغيير الأيديولوجي للتعليم الأكاديمي.يشمل النظام التعليمي في الصين مراحل تعليمية مختلفة إلا إنه يولي إهتماما كبيرا بإعداد الاطفال من خلال مرحلة الروضة اذ يلتحق الطفل بها من سن ثلاث سنوات وتنتهي مع بلوغه ست سنوات وتبلغ نسبة الاطفال الملتحقين برياض الاطفال حوالي 43% من إجمالي الأطفال في هذه السن بينما لاتشكل النسبة، على سبيل المثال، إلا حوالي 7% من مجموع إعداد الأطفال في العراق ويتلقى الاطفال في الروضة مبادئ أولية في اللغة والبيئة والحساب والموسيقى والرياضة ويتم تربية الأطفال على العادات الحسنة من إستقامة وإحترام لمن هو أكبر سنا وحسن التعامل وعوامل أساسية في الثقافة والحياة الإجتماعية الصينية.

إن للصين وزارة واحدة للتربية والتعليم يترأسها وزير وستة نواب ومساعدان إثنان إذ تشرف على كافة المؤسسات التعليمية التي تضم حوالي 255 مليون طالب.تنقسم مراحل التعليم في الصين الى رياض الاطفال (3 سنوات) والتعليم الأبتدائي(6 سنوات) والإعدادي أو المتوسط (3 سنوات) والثانوي (3 سنوات) والجامعي (3- 5سنوات). تطبق الحكومة نظام التعليم الإلزامي لمدة 9 سنوات في المدارس الابتدائية والمتوسطة اذ يعفى الطلبة من الرسوم الدراسية في مرحلة التعليم الإلزامي ولايدفعون سوى مبلغ بسيط من النفقات الدراسية.

إن من أهم منجزات الثورة التعليمية والتي بدأت الصين بها بعد عام 1985 هو إحكام الدولة قبضتها على المؤسسات التعليمية والإشراف عليها من بعد تاركة لها حق الإدارة الذاتية لتسعى المؤسسات التعليمية الى الحصول على الدعم المالي المطلوب من المجتمع نفسه،وبذلك أصبح على الجامعات أن تتخذ القرارات التي تراها ملائمة لظروفها بما تحقق لها أهدافها لذا إرتأت كثير من الجامعات إن أفضل طريقة لإحداث الإصلاح والتطوير المطلوب هو التوسع في خدماتها لتخدم أكثر من مجال وبذلك ستنعم بالدعم المالي من الحكومة المركزية والمحلية وتصبح مؤسسات تعليمية ذات إدارة مشتركة وهي بذلك ستلعب دورا ايجابيا في دعم الاقتصاد والتنمية المحلية. كما إنتهجت مؤسسات تعليمية أخرى سبيلا آخر لإصلاح نظامها التعليمي، فرأت إن أفضل سبيل هو الإندماج مع الشركات والتنظيمات الاجتماعية وبذلك أوجدت لنفسها دعما ماليا من مصدر جديد والمنهج الآخر الذي سلكته بعض الجامعات هو الإندماج مع جامعات أخرى بهدف الإستفادةالمشتركة من إمكاناتهما العلمية والمالية ولتخفيض حجم تكاليف العملية التعليمية فهما تشاركان بعضهما في الاستفادة من التدريسين والمختبرات والمكتباب والأبنية وغيرها. وشمل إصلاح التعليم العالي , إصلاح هيكل المواد الدراسية بالجامعات، لذا قررت لجنة التعليم التابعة للدولة خفض عدد التخصصات التي بلغت 813 تخصصا الى 504 بهدف التركيز على التخصصات التي تواكب حاجات المجتمع وإقتصاد السوق والتطور العلمي والتكنولوجي وترك التخصصات المتشابهة التي لا طائل من تعلمها، كما تم الإستعانة بأساتذة أجانب إشتهروا بكفاءتهم العلمية العالية.توجد في الصين حاليا أكثر من 3000 جامعة منها 1300 جامعة حكومية فيما بلغ عدد الجامعات التي تستقبل الطلبة الأجانب 70 جامعة, وقد وصل عدد الطلبة في الجامعات الصينية الى حوالي 24 مليون بزيادة حوالي أربعة اضعاف في فترة عشرة سنوات بين الأعوام 1996 الى 2006 ليحتل حجم التعليم العالي في الصين المركز العالمي الأول.

تتميز الدراسات العليا في الجامعات الصينية بارتفاع مستواها العلمي وطول فترتها وأهم سمة لها هو مطالبة الطلبة خصوصا لمرحلة الدكتوراة بنشر عدة بحوث في مجلات علمية عالمية رصينة كجزء من متطلبات الحصول على الشهادة اضافة الى تأدية وحدات دراسية (كورسات) اثناء فترة الدراسة وتقديم اطروحة التخرج.وقد قارن الكاتب والمحلل السياسي الامريكي نيكولاس كريستوف بعض جوانب التعليم فيما بين أمريكا والصين من خلال إطلاعه الميداني على النظامين وتوصل الى بعض الملاحظات التالية:

1- إن مستوى الرياضيات الذي يدرس حتى في مدارس الفلاحين في القرى الصينية يشبه مستوى الرياضيات في المدارس الممتازة بمنطقة نيويورك .

2 يبدأ أطفال الفلاحين الصينيين بتعلم الإنجليزية في الصف الأول أو الثالث وحسب المدرسة، بعد أن أدخلت الى المناهج الدراسة حديثا وقد كانت نقطة ضعفهم، بينما لا يبدأ التلاميذ في أمريكا تعليم اللغات الأجنبية الا في الصف السابع.

3- يتميز التلاميذ الصينيون بتعطشهم للتعليم وإحراز التقدم ويتلقون دروسهم لفترات طويلة إذ يلتحق التلاميذ في المدرسة في الساعة السادسة والنصف صباحا لتلقي مزيد من التوجيه والرياضة قبل أن تبدأ الدروس في الساعة السابعة والنصف وفي الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة يذهبون الى بيوتهم من أجل الغداء ثم يعودون الى المدرسة في الساعة الثانية ظهرا حيث يدرسون حتى الساعة الخامسة عصرا.

4- تكن الصين إحتراما ثقافيا كبيرا للتعليم في اطار موروثها الكونفشيوسي (نسبة الى الفيلسوف الصيني كونفشيوس 551-479 ق.م)، وهو مايفسر إهتمام الحكومات والعائلات معا بالتعليم اذ يحظى المعلمون بإحترام كبير وإمتيازات مادية عالية.

5- يؤمن الصينيون بأن الطلبة الذين يحصلون على أفضل العلامات هم أولئك الذين يعملون بجد ومثابرة وبالمقابل يرى الأمريكيون,في إستطلاعات الرأي، إن أفضل التلاميذ هم أولئك الذين يتمتعون بذكاء فطري إذ أن ليس للأطفال الصينين عذرا وذريعة لتبرير ضعف نتائجهم.ألا يحق لنا أن نعتبر تجربة، الشعب الصيني الموحد ذو 1300 مليون والذي يتكون من 56 قومية, رائدة وتستحق الدراسة والتأمل خصوصا في مجال التربية والتعليم لغرض الاستفادة منها في تطوير بلداننا، التي لا زال التعليم فيها يسير كسير السلحفاة بل يتراجع أحيانا كما اكده تقرير البنك الدولي الصادر في 4/2/2008 والذي اشار إلى تراجع مستوى التعليم في الدول العربية ، وبات من الضروري توثيق العلاقات بكافة المجالات مع هذا الشعب الذي يتميز بالجد والإخلاص في العمل والبساطة والتواضع , فعلى الرغم من التطور الهائل الذي أحدثوه وأصبحوا يعيشون في دولة عظمى ولكنهم يؤكدون عند النقاش معهم " نحن لا زلنا دولة نامية" فرحم الله شعوبنا ودولنا التي لا زال الكثير منها نائما ولكن نومهم اصبح طويلا وعميقا و يختلف عن نوم الصينيين الذي حذر منه نابليون.

*مستشار ثقافي عراقي في بكين

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
تحسين سماري الربيعي
2008-02-07
بالعلم والثقافة ترتقي وتزدهرالشعوب اما بالعراق على الرغم من وجود العلماء والمثقفين الا اننا نجد الجهل السياسي والمحاصصة العنيفة والمصلحة الشخصية هي اساس تولي الوزراء لوزاراتهم والتي تدمر اكبر الثقافات واصلب نظام سياسي نتمنى من الحكام مراعاة المحكومين والرئفة بهم لان الشعب سبب وجودهم على الحكم وللعراقيين اقول لهم((دعو الطائفية نائمة لأنها عندما تستيقظ فسوف يندم العراقيين))
أبو علي الماجدي
2008-02-05
صدقت يا أستاذ ، مفتاح مشاكل العراق يكمن في وزارات التعليم و الــتربــية . و لكن يجب وضع و زراء بدون محاصصة طائفية مقيتة لأننا لا توجد لدينا 58 قومية بل نحن 98% إخوة في الدين وهو أقوى رابط ،نحن نحتاج إلى و زراء يحترق قلبهم على أهلهم مثل و زير الصحة السابق أيام حكومة الجعفري (علي محمد عبدالمطلب) الله يصبحه و يمسيه بكل خير و ليس خضير الخزاعي أبو الكراسي و الوجاهات
ابو محمد البلداوي
2008-02-05
اتمني لبعض قادة الكتل السياسية وبعض السياسيين ينظروا لما وصل اليه دول العالم, وكم بلدهم متخلف عن دول العالم وشعب العراق(كالعيس في البيداء يقتلها الضما والماء فوق ضهورها محمول)... نسأل الله ان يهديهم لما يرضيه وان يكونوا بمستوى المسؤولية والامانة التي عاهدوا الله ان يحملوها ...وسيعلم الذين ضلموا اي منقلب ينقلبون.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك