( بقلم : أحمد جويد/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث )
الجرح الكبير الذي احدثته جريمة الاعتداء على الضريح المقدس في سامراء خلف وراءه أثرا كبيرا في نفوس ابناء الشعب العراقي، فلم يشهد العراق على مر تأريخه المعاصر موجة من العنف الطائفي تعصف به كما جرى بعد الاعتداء على سامراء، والسبب في ذلك إن المخططين لتلك الجريمة يدركون تماماً مدى أهمية تلك الاضرحة وتعلق أغلب ابناء العراق بها، وماذا تعني لهم، وكم هي ردة الفعل التي يمكن ان تنشأ جراء الاعتداء عليها.فحينما فوجئ ابناء الشعب العراقي في صبيحة ذلك اليوم (الاسود) في تاريخ العراق، بتفجير الضريح المقدس في سامراء عصف العنف في جميع بقاء العراق كردة فعل على انتهاك حرمة المقدسات، ووقفت حينها الحكومة والقوات الاجنبية موقف المتحير من أجل تهدئة الخواطر والنفوس الجياشة بالغضب، إلا أنه وبعد الوعود التي قطعتها الحكومة والادارة الامريكية برصد أموال ضخمة من أجل إعادة الاعمار بأسرع وقت ممكن ومتابعة الفاعل وإنزال اقصى أنواع العقوبة بحقة والكشف عن نتائج التحقيق، وبعد ان ارتفعت دعوات العقلاء ورجال الدين للخروج من هذا المأزق الذي وجد بتخطيط وتدبير من قبل من لا يريد بالعراق خيراً، مرت تلك الايام الحالكة بكل ما تحمله من مرارة وألم، الامر الذي استدعى إطلاق مبادرة الحكومة العراقية للقيام بمشروع (المصالحة الوطنية)، ولم يكن أمام الحكومة في سعيها الحثيث من أجل إنجاح هذا المشروع الاستراتيجي في لم الشمل، إلا ان تجد الادوات المناسبة التي لابد من وجودها للقيام بتلك العملية.
فعملية لم الشتات لابناء وطن مزقته الطائفية، بمختلف أدواتها، والتي تسببت بوجود جراح كبيرة وعميقة في الجسد العراقي، لا يمكن لها أن تندمل بين ليلة وضحاها، إذ لا يمكن معالجة تلك الجراح الضخمة بمجرد رفع الشعارات ونشر الدعايات عن طريق وسائل الاعلام ، ولابد ايضاً من أن تكون أدوات العلاج، صحية وصحيحة، حيث لا يمكن العلاج بالأدوات الملوثة إذ من شأنها ان تعمل على تلويث الجراح وبالتالي يصعب علاجها، فعلى سبيل المثال قانون المساءلة والعدالة واحد من تلك الأدوات التي تستخدمها الحكومة، والذي أصبح هو الشغل الشاغل لها وللبرلمان في سبيل انجاح المصالحة الوطنية، والذي يهتم باعادة الامتيازات والنفوذ للاجهزة الامنية السابقة على حساب مصالح ومشاعر مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي، متناسين الجرح الحقيقي الذي سببته قوى الشر والتكفير مفتوحا من دون أي علاج يذكر، والذي على إثره إزدادت الهوة والفرقة بين العراقيين.
والسؤال المطروح هو، لماذا يترك جرح سامراء مفتوحاً على مصراعيه دون أي علاج يذكر؟
هل بسبب الوضع الامني المتردي في مدينة سامراء؟ أم بسبب عدم وجود الأموال اللازمة لإعادة بناء الضريح المقدس؟ أم إن أهل سامراء انفسهم لا يوافقون على إعادة إعمار الضريح؟ أم لوجود سبب آخر نجهله يتعلق بالقوى الاجنبية الموجودة على أرض العراق؟
في أواخر العام 2007م، شهدت معظم مناطق العراق تحسناً أمنياً واضحاً وبخاصة في المدن والمناطق التي كانت تعرف بالساخنة، وإنعكس معه على مدينة سامراء ليضفي عليها شيء من الاستقرار الامني الملحوظ، وان الكثيرين من ابناء هذه المدينة يساهمون بصورة مباشرة في الملف الامني عن طريق ما يعرف اليوم بمجالس الصحوة التي استطاعت أن تهزم تنظيم القاعدة في أغلب المناطق الغربية في العراق، وبالتالي فان السبب الامني لا يشكل ذريعة في عدم الشروع بعملية إعادة الاعمار مع التطور الكبير لقدرات القوات الامنية العراقية معززة بالقوات الاجنبية الموجودة في العراق.
وبالنسبة للاموال اللازمة فما على الحكومة إلا أن تحدد يومأً للشروع في عملية الاعمار وتفتح باب التبرع أمام المحبين والمؤمنين، فإنها سوف تجد ما يغطي عملية الاعمار من الاموال اللازمة للبناء فضلاً عن الايدي العاملة من المتطوعة في سبيل إعادة إعمار الضريح المقدس دون اللجواء الى اليونسيف أو الى صندوق النقد الدولي أو ميزانية العراق للعام2008م، أو ما وعد به الرئيسان طالباني وبوش من أموال لإعادة الاعمار.
أمام بالنسبة لأهالي سامراء ومدى تقبلهم رؤية ضريح الامامين العسكريين في المدينة، فاننا لو تركنا الجانب الديني والعقائدي جانباً لوجدنا أن في أضرحة سامراء أكثر من دلالة ومعنى، فهي تمثل للسامرائيين معلماً انسانياً وحضارياً تمتاز به مدينتهم على باقي المدن المجاورة لها، وهي كذلك تمثل ركيزة من ركائز الاقتصاد لأغلب ابناء المدينة عبر المردودات المادية الضخمة من خلال حركة الزوار اليها وتوافدهم عليها والاقامة فيها من مختلف بقاع العالم، فما يجلبه الاعمار من منفعة لهم من الناحيتين الاقتصادية والدينية أكبر بكثير من تركها مهدمة.
وأما بالنسبة للحكومة في سعيها لإنجاح المصالحة فإن أضرحة سامراء تعني لها نقطة الالتقاء بين من يخدم هذا الضريح من ابناء الطائفة السنية مع من يفد اليها من ابناء الطائفة الشيعية، فهي همزة الوصل للتعايش بين ابناء الوطن الواحد.
إذن قد يكون التساؤل الاخير هو السبب الحقيقي الذي يقف عائقاً وراء عدم الشروع بإعمار الضريح المقدس، وهو الاجنبي المتواجد على أرض العراق والذي له غايات ودوافع معروفة من أجل بقاء الوضع الحالي للعراق على هذا الحال، كي لا تقوى شوكة هذا البلد ليطالبه أبنائه بالخروج من أراضيه، وبقاء الدولة العراقية ضعيفة خاوية لا تستطيع أن تخرج عن إطار المشاكل الداخلية لها، وهذا السبب قد يكون هو الاكثر احتمالا من الاسباب الاخرى، وحيث ندرك بما لايقبل الشك ان جميع الطوائف العراقية تكن الاحترام لضريح الامامين العسكريين (عليهم السلام)، فإننا ندرك ايضاً ان الولايات المتحدة وحلفائها لا تريد للعراق أن يصبح كياناً قوياً تحترم فيه المقدسات والعقائد بل تعمل على اضعاف الجسد العراقي الواحد بإثارة عدة مشاكل حتى بين ابناء الطائفة الواحدة، وما يجره إعمار ضريح العسكريين من وحدة الصف ولم الشمل لا ترغب به الدوائر الصهيونية المؤثرة في صنع القرار الامريكي ولا الدوائر الوهابية والتكفيرية التي تدور في فلكها وتنفذ مخططاتها.
فإذا كانت الحكومة العراقية جادة في خطوتها نحو المصالحة الحقيقية فعليها أن تعمل ومنذ الذكرى السنوية الثانية في هذا العام على الشروع بعملية البناء والتعمير والتي نأمل أن تشرك بها جميع ابناء الطوائف للمساهمة في هذا المشروع الوطني والديني، فما تم تحقيقة من إنتصار على فلول القاعدة والتكفيريين في السنة الماضية يجب أن يعزز بصفعة أخرى بوجه من قام بجريمته في العام2006م.
https://telegram.me/buratha