قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
لا يُحسَنُ كثير من المهتمين بالشأن السياسي؛ كيفية حساب مقدار الخسارة الوطنية التي سببها الفساد، إذ أن بعضهم وبطريقة ساذجة؛ يحسبها بمقدار الخسارة المادية، ويقدمون إحصاءات وأرقام؛ عن الموازنات التي أُنفقت، والأموال التي ذهب معظمها كما يقولون، الى جيوب المنتفعين الفاسدين.
لا ريب في أن الفساد المالي؛ له تبعاته وآثاره المدمرة، لكن الخسارة الحقيقية ليست في هذا المجال فقط، إذ أنها في محصلتها خسارة مركبة؛ تتحرك صعودا بطريقة المتوالية الهندسية، التي تتضاعف لوغارتميا، مع أول عملية حاصل ضرب الى الأس المرفوعة له!
من بين أشد أنواع الفساد فتكا؛ هو وضع أفراد من الرجال والنساء، في مراكز ليست على مقاسهم، بمعنى وضع أفراد ليسوا مناسبين لتلك المراكز، وفي بعض الأحيان؛ تكون المراكز ليست مناسبة للأفراد.
المشكلة تكمن؛ بأنه لا يوجد لدينا معيارية محددة، لتوصيف الوظيفة العمومية، وفي معظم الأحوال ترك الحبل على الغارب عمدا، فلا زيق يناسب رقعة، ولا رقعة تناسب زيقا!
النتيجة؛ أن وضع رجال لا يتوفرون على خبرات مهنية، في مواقع مسؤولية تحتاج خبرات ومؤهلات خاصة، أدى الى أن يتم إتخاذ القرارات، وفقا لأساليب بعيدة عن المهنية والعلمية، ولا تستند على أسس البحث العلمي أو الطرق العلمية في أتخاذ القرارات..وكانت الخسارة فادحة جدا؛ بغياب دور المتخصصين والمهنيين، في التحضير لأتخاذ القرار.
لقد كان هذا ديدن نظام حكم البعث، بنماذج مثل سمير الشيخلي، وعلي حسن المجيد، وحسين كامل، ومحمد حمزة الزبيدي، ومئات وآلاف أمثالهم، وأزددنا إرتباكا مؤسسيا، طوال السنوات الأربعة عشر المنصرمة، حيث شهدنا تخبطا واضحا في الأداء وفي القرارات، وكم من فكرة خلاقة؛ كان يمكنها أن تقدم فائدة عظيمة لشعبنا ولآفاق تنميته، أحبطها مسؤول لا يتوفر على حد أدنى، من المعارف المهنية التي يتطلبها إشغاله لمركزه الوظيفي، ولو تطلب الأمر منا أن نقدم أمثلة؛ لأحتجنا الى مجلدات!
إناطة مهمة إدارة ملفات التخطيط بأطباء، أو أدارة ملفات الأمن بشعراء، أو أدارة ملفات الكهرباء بأداريين، وملفات الشأن المجتمعي ببياطرة، والتجارة بمتخصصين باللغة، والبلديات بزراعيين، والإعلام بمحامين؛ كلها أمثلة عن الذي نتحدث عنه..
في حالة المسؤول الذي تنقصه الخبرات والمهارات؛ أو الذي تعوزه الأساسات العلمية المناسبة لمركزه الوظيفي، تتخذ القرارات وفقا للإجتهادات التي تحركها المصالح الخاصة، أو بناءا على النزوات الشخصية؛ للأفراد أو للجماعات المهيمنة على المؤسسة.
النتيجة أن تدهورا مريعا هو الذي حصل لنظامنا الأداري، وتحولت مؤسسات الدولة الى بناء ينخره الفساد؛ الذي ينتعش في البيئات الجاهلة.
إن السنوات الستة عشر الماضية؛ كان عنوانها الرئيس هو هذا المشهد الذي وصفناه آنفا، وأمامنا مهمة عسيرة للخروج من المأزق، الذي سببه تسيد أشخاص ليسوا مناسبين على مفاصل القرار، لكن عسر المهمة لا يعني أن نستسلم لها مما يفاقم المشكلة..
للخروج من نفق الجهل المؤسسي، يتعين أن نعمل وفقا لسياسات علمية معدة سلفا، تحمل عنوان البرامج؛ نحترمها ونتعامل معها بإلهام وقدسية.
كلام قبل السلام: يفترض ان يكون برنامجنا القادم؛ هو التخلص من الجهلة في مواقع المسؤولية..!
سلام...
https://telegram.me/buratha