جاسم الصافي
دعا الدكتور جبار خماط لإقامة مؤتمر علمي في بغداد لتأكيد على ريادة مسرح التشابية , وهي دعوة جميلة لم يقل فيها مسرح شيعي او مسرح حسيني أو حتى مسرح الطف , بل كان التأكيد على ريادة مسرح التشابيه , ونحن نعلم ان الرجل فنان مسرحي وليس داعية لحزب اسلامي، وقد قمت بدوري بالتعليق لتلك الدعوة كما البقية , لكني لم انتبه إلى ما كان من تعليقات سابقة من بعض الأخوة ومع الاسف وجدت التسويف والتخوين وهي تهم جاهزة عند ابناء الحي لكل مطرب وفنان ومفكر بيننا.
الغريب ان تأتي من جهات تدعي الثقافة فهي الطامة الكبرى , اذ اعتبر العض ان تلك الدعوة فن سياسي جاء من قبل حزب الدعوة , مع العلم أن اغلب السياسيين الإسلامين هم جهلة وبامتياز في مجال الفن والادب، فثقافتهم لا تتجاوز الرسالة العملية ودعوتهم التثقيفية ليست اكثر من ندوة للتنظيمات الحزبية وتلميع لشخصياتهم القيادية وفي اقصاها مؤتمرات للحوار الاسلامي.
هكذا اتهام هو مغالطة كبيرة , اذا يمكن بهذا الطرح اعتبار اليونان والرومان طائفيون فقد كانت مسارحهم طقوسية , ومع الزمن تهذبت لتكون ما هو علية المسرح اليوم , وكذلك اعتبار بعض المستشرقين على انهم دعوجي أو إخوانية , لانهم اعجبوا بهكذا فن فقد زار بيتر بروك مع فريقه المسرحي إيران , وشاهد تشخيص واقعة الطف في احدى القرى النائية ، وأبدى دهشته مما شاهد انطلاقاً من رؤيته الاستشراقية فهل هو طائفي ؟
غاندي وشوبنهاور ونتيشه الذين استشهدوا بأقوال الحسين فهل هم شيعة وايرانيون ؟ ان افلاطون والمسيح والحسين والفارابي وابن عربي وماركس نتاج الانسانية وان اعتبار التشابية تكريس للطائفية هو شعور مقيت ومؤدلج , لأن التشابية ثقافة عامة ولا يمكن أن نهذب هذه الثقافة بالمنع بل يجب إن يجد المثقف طريقة لبناء الإنسان وإعادة تصحيح ما هو عليه من خلا مجاورة ثقافته مع الوافد , لا بقطع الرقاب يكفينا هدما وتسقيط.
منذ زمن الطهطاوي ومحمد عبد والأفغاني وعلي الوردي وكذلك ما طرح من حامد أبو زيد وحسن حنفي والجابري في حاضرنا , ونحن لا نزال نبحث عن هوية وعقلية تخرجنا من مستنقع ما نحن به ولكن دون جدوى , والسبب لأننا أما مع أو ضد الوافد الينا من تطور , وفي الحالتين نحن أصوليين راديكاليين لفكر ما ، سواء اكان إسلامي او شيوعي او قومي.
المشكلة في العقل وليس في العقلية , وسنبقى ندور في فلك هذا الثالوث الايديولوجي الذي أضاع صراعة ما يقارب المائتين عام من تاريخ مجتمعاتنا في حلات اغماء لتغير وتغير , وهو سبب ما نحن عليه من تخلف وتردد , بل هو الوهم الافتراضي الذي نحرق به أفكارنا واعمارنا دون شعور ، ولم نتخذ مثل نحتذى به من دول استطاعت أن تنهض وتجد ضالتها في مجاورة ثقافتها , وتحررها من قيود التقليد وقيود الاتباع ومن تهم الاصولية والعمالة , فلم يكن الوافد لتلك الدول مغرب عن واقعها , بل جاء حملها بمولود طبيعي غير مشوه ، فتلك اليابان التي بقية تحافظ على ثقافتها وتقاليدها مع مواكبة التطور دون ان توجد تصادم او صراع.
كما يقول الدكتور الوردي أن الحضارة لا تدخل بقدم واحدة ، بل تدخل معها قيم لديمومتها لكن هذه القيم تأتي بلا أسس ولا ثوابت وهذا ما يجعل بناء المجتمع أجوف بلا طعم كما يحصل في بعض البلدان الآسيوية والعربية على حد سواء في هذا العصر .
نجد صورة اخرى للمجاورة في الصين العملاق السكاني وهي المؤاخاة بين ثقافتها والفكر الشيوعي لدرجة أن شيوعيتها تغيرت لتكون بنكهة ( ماوية ) وكذلك ماليزيا وما قدم مهاتير بن محمد من اسلام والهند وما قدمه غاندي من هندوسية .
ما أريد أن أقوله هو , أن لا نكون دواعش في قمع طروحات البعض فهناك مسافة اربع اصابع تتسع للجميع ولكنها مسافة خطرة اذ هي بين الشك واليقين يمكن ان توقعنا في تطرف ثقافي اخر وهو الجهل المركب , بل علينا ان لا نضيق على أنفسنا فنضيع فرصة النجاة بسبب انانيتنا وغرورنا فنكون كمن ذبحوها وما كادوا يفعلون
https://telegram.me/buratha