حيدر العامري
" لن يكون من المنتظر من قنوات تعتبر مرآة النظام القائم والناطق الرسمي باسمه أن تنفتح على الإشكالية الديمقراطية إلا بمقاس النمو السياسي للنظام إياه أو قابليته في ذلك."
نعيش حاليا ثورة إعلامية جارفة، مست جميع المجتمعات ودون استثناء، وهي ثورة تحمل في صلبها وفي سياقها العام مؤشرات تحول جذري وعميق فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بفضاءه السمعي و البصري الذي لم يعد رهينة للإعلام الموجه من قبل الدولة والمتحكم فيه من قبل أجهزة دعاية السلطة الرسمية، والذي طالما وجهت واستحكمت في توجهات واختيارات المشاهد نظرا لما يتمتع به الإعلام من تأثير قوي وخطير ، وممارسة كل أشكال التزييف والخداع في حقهم.
و بـما أن الحديث عن ثورة الاعلام هو حديث متشعب ومتداخل حول سلطة الإعلام في حياة المجتمعات من جهة وعن دوره في إرساء ثقافة ذوقية و نقدية وجمالية راقية لدى المتابع تمكنه من امتلاك القدرة التمييزية بين المنتوج الجيد والرديء من الإنتاج الإعلامي، وهنا لابد أن أشير على أن سلطة الاعلام في الدول الديمقراطية هي عنوان لسلطة حقيقية تهدف إلى ديمقراطية المجتمع وإطلاعه على مشاكله الحقيقية وإشاعة ثقافة الرأي والرأي الأخر بين أفراده وليست السلطة التي تعمل كبوق لتلميع صورة هذا النظام أو هذا الحزب أو هذه الطائفة أو تلك، ثم أن مقولة المجتمع المحافظ التي طالما تبجحت الأنظمة القهرية على حمايتها من الضياع ومن فقدان الهوية لم يعد لها بال مع السماء المفتوحة بل ودخول وسائل الاعلام الى منازلنا ودون استئذان، وحدوث سيولة هائلة من الأخبار و المعلومات والثقافات المتعددة والمختلفة المرجعيات الأمر الذي سيؤدي بشكل مباشر إلى بلبلة المشاهد الذي لم يعتد التعددية وبالتالي حيرته في اختيار القنوات التي ممكن ان تعوضه عن خيبته في الإعلام الرسمي.
كيف لنا ان نواجه القنوات التطبيعية التي تطبـع مع سياسة التغـريب والتهميش و تتماهى و ثقافة الانسلاخ عن الهوية.
هل سنجابه هذه القنوات بالفائض الهائل من وصلات الإشهار الاستهلاكية والبرامج الشبابية الرخيصة التي ينشطها مراهقون متميزون فوق العادة، يبشرون بجيل شبابي غير واعي.
وهكذا نخلص على أن إمعان الـمؤسسة الرسمية في احتكار وسائل الإعـلام وتوظيفها للتـضليل.
الإيديولوجي لم تعد تنفع مع الطفرة الإعلامية الكبيرة التي عرفها المجال السمعي و البصري، وأن لغة الإعلام العالمي اليوم هي لغة حال الشعوب و المجتمعات المتحضرة الواعية بخياراتها وبمصائرها، وليس لسان حال النخبة أو الحزب أو الطائفة المتنفذة والمتربعة على صدور الناس.
https://telegram.me/buratha
