المقالات

(كُلَّهُم) لغة العقل الذي انهارت أعمدته!

1108 2018-04-16

 

غالبا ما يقسم منظري علماء الاجتماع وفلاسفته الوجود إلى ذات وموضوع خارج الذات, وغالبا ما تُحكم الذات في أنماطها السلوكية بآلة العقل والتحليل المنطقي, التي وهبها الله للإنسان كخاصة يختص ويتميز بها عن كل الموجودات, وأغلب مشاكل الإنسان تتمظهر في قصور أو عجز أو تهافت مخرجات هذه الآلة, التي هي عماد الإنسان في الوصول للحقيقة. 

في السياسة غالبا ما يكون التصارع والتنافس والاقتتال قائما على أدوات كثيرة, منها ما يكون من أجل تحقيق النصر والمكاسب, ومنها ما يكون من أجل إحقاق الحقوق ونشر العدل؛ وفي نفس الوقت تعتبر السياسة في زماننا الحاضر ممثلة لكل نواحي الحياة البشرية بكل تفاصيلها, لذا كان تدخل السياسة في كل تفاصيل الحياة العامة والخاصة, سمة مميزة لعالمنا المعاصر. 

لم يعد الدين والاقتصاد هما المدخلين الأساس للصراع السياسي, بل أصبحت السياسة متداخلة وبشكل فاعل ومؤثر وسلطوي في كل المجالات : الاجتماعية والتعليمية والثقافية والتربوية والدولية والجغرافية والصناعية, بل حتى أن موضات الملابس وقصات الشعر باتت تخدم أهدافا سياسية أيديولوجية معينة, لذا يعتقد الكثير من المختصين بتهافت وسقوط نظرية فصل الدين عن السياسة, لأن السياسة هي من باتت تغزو عقر الدين وتحاول السيطرة على أدواته! 

في العراق, لا يزال الوعي المجتمعي غائبا عن فهم واستيعاب حضور السياسة في كل تفاصيل حياته الصغيرة والكبيرة؛ نتج عن ذلك كسل عقلي ومعرفي (جماهيري) على درجة كبيرة من التعقيد, بحيث أصبحت لغة السياسة في هذا البلد لغة تستخدم (كسلاح) من خلال حَدّها التخريبي الذي بدأ ينخر في كل منظومة المجتمع, وأصبح الجهل السياسي وسيادة لغة الانصياع والخضوع لاستبداد الإعلام التسقيطي, متمظهرا وبشكل واضح بكلمة مشهورة, جسدت كل أنواع الكسل الجماهيري (العقلي والمنطقي), والمتمثل بكلمة (كُلَّهم), فأصبحت هذه الكلمة نمطا معلبا جاهزا للاستهلاك العقلي, الكسول عن البحث والتحليل والمقارنة والرجوع للتأريخ, والتقدم للمستقبل, بل بات يمثل حالة توقف وانهيار العقل وأدواته! 

كلمة (كُلّهم) لم تكن وليدة الصدفة, بل جرى العمل عليها في غرف متخصصة بصناعة الرأي العام وقيادته واستغفاله والتحكم به, وهي قد تأسست من خلال التوظيف السيئ لقانون الذاتية, هذا القانون الذي يحاول أن يربط الحقيقة بمفهوم محدد لا غير, يمثل هو الحقيقة لا غيرها ولا يمكن أن تكون غيرها, ويظهر هذا التوظيف السيئ لهذا القانون المنطقي بأسوء وأبشع تجلياته, من خلال استخدام قاعدة (الهوية المزورة), والتي تربط مفهوما كاذبا بآخر صحيحا, ليكون كلمة وجملة واحدة يتماهى العقل معها كقطعة واحدة, كأن نقول : الديمقراطية الأمريكية, أو ماء الفرات , أو : كُلَّهُم حرامية ! 

(كُلَّهُم) لغة اليائسين والمحبطين, وأكبر مشكلة نمر بها اليوم هو أن قيمنا الأخلاقية والإنسانية التي نحاسب بها الآخرين, هي قيم مضروبة وجاهلة, فلا نحن نحترم ديننا ووصاياه لنحتكم لقيمه وأدبياته, ولا نحن نحترم القانون وما فيه من موارد ضبط للسلوك, ولا نحن نحترم عقولنا؛ بل نسير دوما خلف ما تمليه علينا عواطفنا, ونقيّم الحوادث والناس من خلالها. 

نحن بحاجة إلى إعادة تدريب عقولنا على التفكير المنطقي السليم! 

*دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة. 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك