المقالات

الرئاسة والسياسة ومقام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)


طالب علي الشرقي المؤرخ الالماني يوليوس فلهوزن يقول: إن المعارضة دائماً تتغيّر عندما تصل إلى الرئاسة. وإن السياسة عند تطبيقها تبعد كثيراً عن الفكرة التي قامت عليها لأن تقديرها للأشياء يكون في أول الأمر بحسب الامكان لا بحسب الواقع، ولا تستطيع جماعة لها تاريخها أن تتنكر للأسس الموجودة التي تقوم عليها تنكراً تاماً. والقوة ـ اذا أرادت أن تحافظ على كيانها وأن تزداد ـ لابد لها من أن تجري على سننها الخاصة بها. وهذا هو الذي يفسر لنا ان النبي لما صار رئيساً سياسياً تغيّر عما كان عليه لما كان لا يزال طامحاً في الرئاسة…

                                                                                                                                                         يوليوس فلهوزن/تأريخ الدولة العربية

                                                                                                                                                   تعريب محمد عبد الهادي أبو ريدة ص6

  بدافع الأهداف غير المعلنة يستعمل الكاتب أسلوباً ملتويا، فيطرح تصوراً يشتمل على بعض الحقائق ليمرر ادعاءً لا يسنده الواقع، الغرض منه النيل من الإسلام. ولم يكن غرضاً خافياً فقد دسَّ على النبي (ص) وعلى القرآن المجيد في صفحات كتابه مما يدل على خبث أهدافه ومراميه وذلك بوحي من سوء معتقده. فالمعارضة قد تتغير عندما تصل إلى الرئاسة. ولكن: لو أمعنّا النظر في الأمر لوجدنا انها لا تنوي ان تغير شيئاً من أفكارها وأهدافها ولكن الواقع يفرض عليها ذلك. إن الأوضاع الجديدة التي تولد بعد نجاح المعارضة سواء في الداخل أو من جرّاء تقاطع المصالح الأجنبية مع أهداف وتطلعات الشعب تضع المعارضة في امتحان صعب، وقد تضطر إلى الابتعاد ولو آنياً عن الأسس والمبادئ التي آمنت بها فتحصل التغيرات والانشقاقات ـ هذا اذا افترضنا إن المعارضة قد وصلت إلى الرئاسة عن طريق الثورة المسلحة لا عن طريق الانتخابات والتنافس (الديمقراطي) بين الأحزاب الوطنية ذات السياسات المتباينة لأننا لا نعرف هذا اللون ـ وبالتالي تبدأ عملية التشذيب واللجوء إلى استعمال القوة التي تأتي أحيانا لمصلحة الشعب. هذه أمور لا تخلو من الحقيقة. أما ما يخص النبي الكريم محمد (ص) فان ما وصلنا من سيرته العطرة منذ صباه إلى ان اختاره الله تبارك وتعالى للرسالة المباركة لا ينطوي على أية اشارة للتفكير أو الطموح للرئاسة. كيف يفكر بالرئاسة وهو يعيش بين أعمامه وأبناء عشيرته وفيهم من هو أكبر سناً وأكثر مالاً وسطوة. ولا يعرف في حياة الرسول (ص) أي موقف أو بادرة تحفّز للرئاسة، وقصة عرض قريش الرئاسة والثروة والملك عليه (ص) ومقولته لعمه أبى طالب (رحمه الله) يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر شمالي…الخ من الأمور المشهورة الثابتة فأين هي فكرة الرئاسة عند الرسول الكريم محمد (ص). ثم ان الرسول (ص) كان في كل خطواته بعد التكليف بالرسالة موجهاً من الله تعالى، فلا ينطق عن الهوى، ولم يجهر بالدعوة إلاّ بأمر الله، ولم يباشر قتال المشركين إلاّ بأمر الله. وفي كل مراحل حياته الشريفة كان محاطاً بالعناية الإلهية. انه (ص) لا يعمل ولا يقول ولا يتصرف إلاّ بما يخدم الرسالة ويثبّت إيمان معتنقيها ويوسع دائرة انتشارها ويكسر شوكة المشركين والمعارضين لها. لذلك لا يصح القول: (.. بان النبي لما صار رئيساً سياسياً تغيّر عما كان عليه لما كان طامحاً في الرئاسة). لأن ذلك يعني أنه ابتعد عن أصول ومبادئ الرسالة وعمل برأيه ووفق رغبته في تحقيق طموحه السياسي، وهذا افتراء على ما هو ثابت كحقائق في تاريخ حياته وسنته الشريفة. إن رسالة الإسلام لا يمكن أن تقاس بثورة شعب أو حزب سياسي يدعو إلى أفكار قابلة للأخذ والرد والتجديد والتسديد وفق الظروف والإمكانات المتاحة، فالإسلام شريعة محيطة بكل ما ينفع الناس، انه نظام يستوعب جوانب الحياة مهما قلَّ أو عظم شأنها إلى أن تقوم الساعة. وإذا حصلت تطورات خلال فترة التبليغ فقد اقتضتها المرحلة خدمة للرسالة وتحقيقاً لأهدافها العامة. وهي ليست رغبات الرسول (ص) لتحقيق طموحاته، ولا تحولاً سياسياً في مسيرة الإسلام بل هي إرادة الله وشرعه. وإذا عدنا إلى القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو النص الذي تعهدت العناية الإلهية بحفظه. نجد آيات كريمات توضع مراحل تطور مسيرة الرسالة بدءاً بقوله تعالى: (يا أيها المدثر قم فأنذر…) إلى يوم الدار بقوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) مروراً بالممارسات التي يقوم بها المسلم في مرحلة الدعوة السريّة ثم الجهر بالدعوة ومن ثم الأمر بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى يثرب. والأمر بالقتال والى ما لا حصر له من التوجيهات والتوصيات والاحكام والتشريعات والأوامر والنواهي حتى ختمت بقوله تبارك وتعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً). وإذا تغاضينا وأحسنّا الظن بهذا (المستشرق) واستبعدنا تعمده الاساءة نقول: إنّ من المناهج التي كثر الاعتراض عليها في تفسير الاحداث التاريخية ان يجعل باحث الحاضر معياراً للماضي وزاوية لرؤيته، بان يرى الماضي ـ الذي شكلته عوامل موضوعية خاصة به ـ ويفسر بمنطق الحدث الحاضر ـ الذي شكلته عوامل موضوعية مختلفة عن تلك ـ فهذا يقودنا إلى الزلل في الرؤية والتقويم والتفسير.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك