المقالات

لماذا شكرني الفرنسيون وأنا أهددهم / بقلم : محمد توفيق علاوي


 

عندما توليت وزارة الإتصالات للمرة الثانية نهاية عام ٢٠١٠ أصدرت تعليمات جديدة بأيقاف التعاملات مع كافة الشركات الخاصة ما لم تقدم تعهداً مصدقاً لدى كاتب العدل تتعهد فيه أنه في حالة إكتشاف دفعهم لأي رشوة لأي موظف في وزارة الإتصالات من درجة وزير فما دون فحينها يعتبر العقد بينهم وبين الوزارة ملغياً، وتغرم الشركة غرامة بمقدار ٣٠٪ من قيمة العقد وتوضع على اللائحة السوداء فلا يسمح لها بعقد أي إتفاق مع الوزارة لفترة ثلاث سنوات.

 

على أثر ذلك جائني أحد القانونيين في الوزارة وجلب معه حزمة من القوانين العراقية في معاقبة الجهة الدافعة للرشوة والجهة المرتشية قائلاً : يمكن إعطاء نسخة من هذه القوانين لكافة الشركات عوضاً عن أخذ هذا التعهد، فسألته: متى شرعت هذه القوانين؟، فأجاب: من زمن النظام البائد، فقلت له: إذاً ليس لهذه القوانين أي أثر للقضاء على الفساد المستشري في كافة مؤسسات الدولة ومن ضمنها وزارة الإتصالات منذ ٢٠٠٣ حتى الآن، فقال لي: السبب إنهم لا يعرفون هذه القوانين، فسألته: هل السبب عدم معرفتهم بألقوانين أو عدم إتخاذ إجراء بحق المفسدين ؟ فأجابني مستدركاً : بل عدم إتخاذ إجراء بحق المفسدين، فقلت له : إن تطبيق التعليمات التي أصدرتها أنا أقوى بكثير من تأثير حزمة القوانين التي جلبتها أنت، فإستفهم متسائلاً: هل يمكن أن تخبرني بأثر هذه التعليمات؟ فقلت له: عندما يوقع ممثلوا الشركات العالمية هذا التعهد لدى كاتب العدل فإنهم مضطرين لإخبار إدارة الشركة في البلد الأم بذلك، أما إدارة الشركة فسيجيبون ممثليهم في العراق (إياكم وإياكم أن تدفعوا أي رشوة فذلك يعني تعرضنا لخسائر فادحة ويعني أيقاف عملنا في العراق) ثم أردفت: إذهب ونفذ التعليمات.

 

بعد فترة من تنفيذ التعليمات وتطبيقها جائني مجموعة من الفرنسيين الذين يمثلون شركة الكاتيل (Alcatel) وهي شركة فرنسية تعتبر من أكبر الشركات العالمية في الإتصالات وقالوا: جئنا لنشكرك على هذه التعليمات الجديدة، فأجبتهم مبتسماً: ولكن هذه التعليمات هي تهديد لكافة الشركات الخاصة العاملة مع الوزارة وانتم من ضمنهم، قالوا : جئنا لنشكرك على هذا التهديد، فسألتهم : ولماذا؟ قالوا : نحن شركة عامة (PLC) ولا يسمح لنا القانون الفرنسي دفع أي رشوة، وإن دفعنا أي رشوة فستفرض علينا غرامات كبيرة جداً، ولكن الصينيين والكوريين يستطيعوا دفع الرشاوي من دون أي محاسبة من قبل دولهم، ولذلك نالوا أكثر العقود مع الوزارة، فسألتهم : وهل قدمتم عرضاً أرخص من الصينيين فتم رفضه من قبل الوزارة، فقالوا: إن الصينيين أذكى من ذلك، حيث هناك مواصفات ومعايير عالمية للجودة يضعها الإتحاد الدولي للإتصالات (ITU) لكافة أجهزة وآلات ووسائل الإتصالات، ونحن نلتزم بهذه المواصفات والمعايير العالمية، أما الكثير من الشركات الصينية فلديهم مواصفات ومعايير أوطأ، وإنهم يدفعوا الرشوة لموظفي الوزارة لجعل مواصفات المناقصات طبقاً لمنتجاتهم، لذلك ترفض عروضنا العالية الجودة لأنها لا تتطابق مع مواصفات المناقصات الواطئة الجودة.

 

على أثر هذا الحوار أصدرت تعليمات جديدة عممتها على كافة شركات الوزارة في وجوب الإلتزام بألمعايير العالمية طبقاً لمواصفات (ITU) ، وعلى أثر ذلك فازت شركة الكاتيل (Alcatel) بمناقصتين، كما قمت على أثر ذلك بطرح هذه التجربة في مجلس الوزراء عسى أن تطبق في الوزارات الأخرى، ولكني كنت في عالم ورئيس الوزراء وأغلب الوزراء في عالم آخر.

 

هذه التعليمات عرضت الكثير من المفسدين في الوزارة لخسائر فادحة كانوا يستفادون منها على حساب مصلحة المواطن، لذلك كان من الطبيعي أن يبطن هؤلاء عداءهم لي، وكان لي خلاف سياسي مع المالكي، فإجتمعت مصلحة الفريقين فكان هؤلاء المفسدون يجتمعون سراً مع المالكي للتخطيط بإزاحتي من الوزارة ولكن كانت تصلني أخبار إجتماعاتهم بألتفصيل من أشخاص مخلصين لي ضمن دائرة المالكي.

 

لقد إستغل هؤلاء نقطة ضعفي الوحيدة  وهي عدم تمسكي بالمنصب، فإسوتنا في ذلك، مع الفارق، علي (ع) حين يقول وهو يخصف نعله (وألله لهي أحب إلي من أمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً)، ومع أننا لا يمكن أن نصل لتراب قدم أمير المؤمنين (ع)، ولكني لم أقبل بتولي المنصب إلا  لتحقيق إنجازات لمصلحة المواطن وبخلافه فليس همي المنصب وألدخول بصراعات كان من نتائجها وضع العراقيل أمام مشاريع الوزارة وفبركة تهم باطلة بحق أغلب من هو مخلص ونزيه من الكادر ألوزاري الكفوء.

 

لقد كان يوم العيد الأكبر لهؤلاء المفسدين بعد تركي للوزارة، حيث تم إلغاء كافة التعليمات التي كنت أنا قد أصدرتها بنية الحفاظ على المال العام من السراق والمفسدين، ورجعت الوزارة بعد مغادرتي لها إلى سابق عهدها مستنقعاً للفساد والسرقات، ولكن {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} و {قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك