المقالات

كم من مغول وكم من كربلاء! / بقلم : محمد الطاهر


بعد أكثر من عامين من سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الموصل شمال العراق، بدأت الدوائر تضيق على التنظيم هناك في انتظار معركة الحسم.

معركة لن تكون سهلة إذ أن التنظيم سيقاتل بشراسة عن غنيمته الكبرى التي حازها مع كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والأموال على مرأى ومسمع من الولايات المتحدة، والآن حان الوقت لاستردادها على أنقاض تراكم هائل لخراب مادي ومعنوي.

الطريق إلى الموصل مر عبر الفلوجة والرمادي وسنجار وتكريت، وكلها محطات لسجال طويل، ولتاريخ مخضب بالدماء مرصوف بالركام. فهل كان قدر المنطقة أن تعيش هذه المأساة الطويلة والكارثية أم أن في الأمر ما يريب؟

لن تغير أية إجابة ما نرى، ولن تعيد ساعات الزمن إلى الوراء، كما أن الموصل لن تعود بعد تحريرها كما كانت، حالها مثل المدن والمناطق الأخرى التي انتهكها برابرة العصر، وتركوا بصمات عنفهم غائرا على أديمها المثقل بالنكبات.

وعلى أي حال، لا مناص من طي هذه الصفحة البشعة والكئيبة من تاريخ الموت والعنف الهمجي، وقد آن أوان الموصل كي تتنفس الصعداء كما منبج، وأن ترجع إليها روحها المسلوبة زورا وبهتانا باسم الله.

لن يترك "الدواعش" وأمراؤهم وسدنتهم الموصل بسهولة كتلك التي مُنحت لهم في غفلة من الزمن، لكن ما يقض المضاجع أن رقعة الشطرنج باقية واللاعبون كثر، والرمال السافيات تسد الأفق.

وعلى الرغم من أن معركة الموصل تأخرت كثيرا، إلا أن ساعتها حانت الآن. فهل ستزول دولة البغدادي بعدها؟ وإلى أين سيتمدد القتلة والجلادون وأشياعهم؟ هل ستضيق بهم الأرض؟ هل انتهى دورهم أم تغير؟

لن تنتهي الأسئلة فهذا زمنها، خاصة أن أدخنة الحرائق قدر الديار ورهينتها منذ آخر غزو جردها من كل شيء، ثم تركها عزلاء في مهب الريح.

والعراق في هذا الوقت في أمس الحاجة إلى كامل وعيه قبل الموصل وبعد الموصل. هو في أمس الحاجة إلى أن يلملم جراحه وأن يحشد أنفاسه وأن يستعيد هيبته التي نزعها عنه الغزاة واستبدلوها بأسمال بالية.

ولن يتأتى له ذلك إلا إذا حزم أمره ونزع عنه الأصباغ التي تفرقه وتقسمه شيعا وطوائف وأحزابا، وتضع الحواجز داخله لتسوق أهله إلى عنف أعمى وموت مجاني.

لا تنتصر البلاد، أي بلاد على أعدائها إن هي تخلت عن قيم التعايش والتسامح والمحبة والعدل، وهي لن تنهض إذا لم تترابط أطرافها، وتتحد أجزاؤها وتسيل الدماء داخلها في دورة واحدة.

ومن الضروري أن يراهن العراق على فضائله في هذا الوقت العصيب، وأن يجعل من استعادة الموصل تاريخا جديدا لحياة كريمة ولواقع وضاء، وأن لا يعود أبناؤه إلى التناحر واجترار الأخطاء والدوران في حلقة مفرغة.

لن نسبق الأحداث على أي حال، وسنعول على أن التاريخ وُلد هنا، وكم من هولاكو مر بالبلاد وكم من كربلاء وما انطفت مصابيحها. وفي هذه المرة أيضا، نعيش على أمل في أن لا يموت التاريخ ولا تنقطع أنفاس بغداد على الرغم من احتشاد الشرور واشتداد الكرب.

 

محمد الطاهر

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك