( بقلم : حسين ابو سعود )
قيل ان ام علي وصلت للتو من العراق ، لا اعرفها ، لم اشاهدها من قبل ، وغاية الامر ان ابنها علي صديقي جمعتنا التشرد والغربة ، واواصر صداقتنا تقوت وتوثقت بداعي الجيرة والحيرة والهموم الكثيرة والكبيرة ، طرقت الباب، دخلت الى الصالة ، رايتها جالسة على الاريكة ، امراة عراقية صرفة ، وقورة ، حنونة في نهاية العقد السادس من عمرها ، ملامحها جنوبية ، لهجتها بغدادية ، نظراتها شمالية ، معجونة بمياه دجلة والفرات ، وترحيبها يقطر دبسا شهيا ، جلست قبالها قبل ان تاذن لي بالجلوس ، رأيت في جرغدها أمي وفي جلستها عماتي وفي حركاتها وسكناتها جميع خالاتي ،رايت فيها كركوك وكربلاء ودهوك والرمادي ، رايت فيها السنة والشيعة والعرب والكرد والتركمان والاشوريين ، والصابئة والايزيديين والشبك .فقلت لها سيدتي : حدثيني عن العراق ، فانا اشتاق لكل حديث عن العراق .حدثيني عن لفح الشمس في البصرة وعن هبوب النسيم في اربيل ، حدثيني عن شارع الرشيد والمكتبات والفنادق والمطاعم والاكشاك، عن شارع النهر وابو نواس ، حدثيني عن كل شئ، عن انواع السمك وانواع البط وانواع الثمر ،حدثيني عن النهار اذا اقبل وعن الليل اذا ادبر ، عن الجيران والصبايا ولعب الاطفال ،عن الزيارات والاعياد والاعراس والمناسبات ، عن الطلاب والطالبات والمدارس ، عن آثار الحروب ومخلفات الحصار ونتائج الاحتلال ومعاناة الارامل واحلام اليتامى وتأوهات العذارى وحسرات المعوقين.حدثيني عن الحقول وتوالي الفصول وعن مزارع الكروم والقصب والبردي والاهوار والمشاحيف وخبز التنور .حدثيني عن الانهار والسواقي والاعشاب ، والطحالب والسلابيح والبعوض والجراد والفراشات.حدثيني عن البهجة في عيون الاطفال والخوف في عيون الكبار ، حدثيني عما يجري في الازقة والحواري وعلى السطوح وعن الحدائق والازهار والميادين وملتقيات العشاق، وعن التباريح وخفقات القلب عند التلاقي ونشوة اللقاء ومرارات الفراق ، وعن الاغاني والتواشيح والاناشيد والزغاريد ، عن الاطفال الذين كبروا والكبار الذين ماتوا ،حدثيني عن الشموع والدموع وتمنيات الرجوع ، وعن المصابيح والمراجيح وزحمة الاسواق واصوات الباعة .حدثيني عن الورود والخدود والياسمين والجلنار والرازقي وعن الحامض حلو والشربت والمناديل والقناديل والشناشيل.حدثيني عن الوجوه الوجلة ، عن الاقارب والجيران.حدثيني عن البرتقال الذي يزهو بلونه وعن التفاح حلو المذاق ، عن الخوخ والمشمش والنارنج والرمان والرقي .وقولي لي سيدتي : ما للعراق يحترق كل يوم ، فهل اعجبه ألم الاحتراق ؟ومتى ينتهي ليل الوطن ؟ ويزهو على رباه سنا الاشراق ،متى ينهض العراق ؟وفي هذه الاثناء دخل صديقي علي وبيده صينية مدورة وعليها استكان جاي(سنكين) وقطع من كليجة التمر .ونظرت ام علي نحوي وعيناها اغرورقت بالدموع وقالت : ولدي كفى اسئلة ودعني احدثك عن العراق .فقلت : تفضلي ...اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha