اذا تجاوزنا بعض الاخطاء والخروقات، فان معركة الفلوجة كانت من المعارك الناجحة والمتطورة. فوفرت للقوات المسلحة والحشد والعشائر تجربة فريدة، وغيرت الكثير من الموازين الداخلية والخارجية. فكثيرون راهنوا على تفكك الهجوم، واستغراقه وقتاً طويلاً، وخسائر كبيرة في القوات والمدنيين. لذلك نستطيع اليوم الكلام "ما قبل الفلوجة" و"ما بعد الفلوجة".
صحيح ان عملاً كبيراً ما زال ينتظر القوات الامنية والادارات المدنية. فستحتاج القوى الامنية وقتاً ليس قصيراً، او سهلاً لتطهير البؤر والمناطق غير القليلة في الفلوجة والانبار من تواجدات "داعش". كما ان عودة الادارات والسكان والبدء باعمار المنطقة وتوفير مستلزمات العيش الطبيعي فيها ستتطلب جهوداً جبارة سياسية وادارية واعمارية. الاهم في ذلك كله هو ان شؤون المنطقة يجب ان يديرها، ويتولى امنها، من برهن انه يقف فعلاً ضد "داعش"، ويعتبر ذلك اولوية اولياته.. وان لا نعود الى لعبة الولاءات المزدوجة. فمرة مع "داعش"، ومرة ضدها، او نصف الموقف مع "داعش" والنصف الاخر خارجها. والا ستذهب دماء الضحايا والشهداء هباء منثوراً، ولن يمثل النصر في الفلوجة والانبار سوى نشوة مؤقتة، لتعود الاوضاع السابقة من فوضى وعنف وارهاب.
"ما بعد الفلوجة" هو التمهيد الطبيعي لمعركة الموصل.. فكل الشروط تجتمع اليوم للانقضاض على "داعش" وتحرير ارضنا واهلنا هناك.. ولعل من اهم عوامل التفاؤل هي تركيبة "داعش" نفسها، التي ساعدت في الفلوجة، وقد تساعد في الحويجة والقيارة والشرقاط وتلعفر والموصل، وباقي الاراضي العراقية. فلقد انهارت دفاعات "داعش" في الفلوجة اسرع من المتوقع، بسبب الروح المعنوية العالية للمهاجمين، وحسن الاستعدادات الوطنية وفاعلية دعم القوى الصديقة الاقليمية والدولية.. ولكن ايضاً -كما يقول بعض الخبراء العسكريين-لان معظم المدافعين كانوا من بقايا النظام القديم والدواعش العراقيين الجدد، خصوصاً المجندين بعد حزيران 2014. فالعنصر الاجنبي في "داعش" هو الاكثر قتالية وعناداً واستعداداً وقدرة على الصمود.. اما العنصر العراقي فقتاليته اضعف بكثير، ومقاومته اقل عناداً عموماً، وفرص هربه داخل العراق او مع النازحين اكثر من الاجنبي، ومعركته الاساسية سياسية ضد النظام، اكثر منها معركة عقائدية، كما هو الحال بالنسبة للدواعش المغسول دماغهم تماماً. لذلك كثرت اعدامات "داعش" للمتخاذلين والهاربين ومعظمهم من العراقيين، ان لم نقل جميعهم. علماً ان العراقيين باتوا يشكلون القاعدة الاساسية لـ"داعش"..
هذه الحقيقة يجب ان لا تخفي حقيقة مقابلة، وهي ان بعض الدواعش العراقيين، خصوصاً المتنفذين في التنظيم، والذين اوغلوا في جرائمهم او تكرست لديهم العقيدة الداعشية، وتحولوا الى غلاة الغلاة، فلسان حالهم يقول، ان الاجنبي سيجد لنفسه مهرباً في بلدان اخرى، ونحن بين المطرقة والسندان ولا مجال سوى القتال.
هذه الحقائق قد تكون مفاتيح النصر القادمة ان احسنا فهمها واستخدامها. فلقد ضعفت "داعش" كثيراً.. وفقدت الكثير من عناصرها وقدراتها وخطوط مواصلاتها وباتت تتحرك بصعوبة اكبر، وتلقى دعماً سكانياً ولوجستيكياً اقل، داخلياً وخارجياً. فكلما استخدمنا مزيجاً من الحزم لضرب "داعش" بدون تردد، واغواء قاعدة "داعش" على التمرد على قياداتها، اوالاستسلام، كلما قللنا الخسائر في صفوف شعبنا وانتزعنا لواء النصر.
وبدون اغفال بعض السلبيات في صفوفنا، والعقبات التي ما زلنا نعاني منها، خصوصاً تنظيم جبهتنا الخلفية، لكن يمكننا القول ان المعنويات اليوم افضل مما كانت عليه سابقاً، وكذلك الخبرات والقدرات، والتعاون بين القوات المسلحة وجميع القوى والفصائل والجهات التي يهمها فعلاً الانتصار على "داعش".
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha