بعد سجن الشيخ علي سلمان.. وصدور قرار باغلاق مقار "جمعية الوفاق الوطني".. واعتقال الالاف واستشهاد وتعذيب وجرح واجراءات ادارية ضد اعداد كبيرة، وبعد اسقاط الجنسية عن اكثر من 250 مواطن بحريني وترحيل البعض منهم، تقوم السلطات البحرينية بخطوة تصعيدية جديدة باسقاط الجنسية عن اية الله الشيخ عيسى القاسم. اجراءات سبق وعشنا مثلها في العراق، فلقد اعدم النظام السابق مئات العلماء، وهجر واسقط الجنسية عن مئات الالاف من المواطنين..
واعتقل وقتل وعذب وفجر مئات الالاف من ابناء الشعب، واستقدم ملايين الاجانب لتغيير الواقع الديموغرافي في البلاد، تحت غطاء التآمر والعمالة للاجنبي، فلم تنفع كل هذه الاجراءات، بل ارتدت الامور على الحكام وعلى البلاد باسرها باسوء ما يكون.. وتهاوت المواقف الاقليمية والدولية الداعمة للظلم والعدوان الواحدة تلو الاخرى، وانتصرت ارادة الشعب، رغم ان اثار السنين العجاف ما زالت تفعل فعلها.
لن تنفع اجراءات الاعتقال والمحاكمة واسقاط الجنسية للحكومة البحرينية، التي كانت تعتبر الى وقت قريب من الحكومات الاقل عنفاً والاكثر انفتاحاً في المنطقة.. ولن ينفع سوى الاستماع الى صوت العقل والحكمة، وليس منطق التصعيد الذي يمثل انتصاراً لخط محدود وضيق في الاوساط الحكومية، والذي انساق مع خط التطرف الاقليمي والعالمي، وهو ما لا يتناغم مع المصالح الوطنية في البحرين والمنطقة. خط التصعيد هذا يغذي خطاً تصعيدياً مقابلاً، في اوساط المعارضة البحرينية التي عرف عنها، ايضاً، الاعتدال في مطالبها والاساليب السلمية في مناهج عملها.
ان خلاص البحرين وانقاذ مؤسساته ومصالحه هو الخلاص من ارادة الاقلية التصعيدية المأزومة والتوجه لتغليب ارادة الاغلبية المتصالحة السنية والشيعية، بعيداً عن الطائفية المقيتة ووسائل الاستبداد والقمع التي اكل عليها الدهر وشرب.. وما على الحكومة البحرينية الا ان تستمع لصوت شعبها، وصوت الراي العام الاقليمي والدولي، والامم المتحدة والمؤسسات والجمعيات العالمية المهتمة بحقوق الانسان لتكتشف بنفسها الاخطاء المتكررة التي تقع فيها، والتي لها تأثيرات مباشرة ليس على اوضاع البحرينيين فقط، بل على اوضاع المنطقة قاطبة، وخصوصاً في العراق.
فاذا كان شأن البحرين يخص امن ومصالح دولاً بعيدة الاف الكيلومترات، او يخص أمن ومصالح دولاً اقليمية، فهو يخص الأمن العراقي ومصالح البلدين اكثر من اي طرف اخر. وترد الـ"ديلمون" (احد الاسماء القديمة للبحرين) في النصوص السومرية، وبانهم جلبوا منها الخشب لبناء معابدهم، ووصفوها بـ"ارض الالهة المقدسة"، وتشير "ملحمة جلجامش" الى نجاة "انكي"، اله المياه من الطوفان، واختياره "ديلمون" مستقراً له، وانه اكتشف في قاع بحرها زهرة بيضاء (اللؤلؤ) تحمل سر الخلود.. وان كبيرة الالهة السومرية "انانا" اختارت "ديلمون" موطناً لها قبل استقرارها في "اور" عاصمة السومريين، واقامت معبدها "بيت ديلمون". فالعلاقات بين العراق والبحرين عميقة الجذور، ولم تنقطع اقتصادياً وثقافياً وسكانياً طوال تلك القرون، بل تعززت بعد الاسلام، وعلى الصعد كافة التجارية والدينية والاسرية، الخ.
ندعو العلي القدير ان يهدي قومنا ليوقفوا هذه الاوضاع، ويعودوا جميعاً لمنطق الحكمة والعقل، وفتح المسارات السلمية.. فنحن نعرف تماماً ماذا تعني هذه العلاقات المتشنجة، فقد مرت بنا ايضاً، تجربة القمع والاعتقالات والاعدامات واسقاط الجنسية واستجذاب الاجانب لمنحهم الجنسية ليتم بالمقابل اسقاطها عن المواطنين، والمآلات المعقدة والمدمرة التي قادت اليها.. فالوطنية الحقة التي تمنع تدخل الاجنبي، هي فقط التي تحترم الشعب وحقوقه وتحقق مطالبه العادلة.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha