غالباً ما ترد تسمية "الحكومة الشيعية" من قبل بعض المؤسسات ووسائل الاعلام.. فهل هذا صحيح؟ ام هناك اهداف مبيتة، او توصيف مجازي ليس الا؟
نعم يتمتع الشيعة بدور اساس في الدولة والمجتمع.. وتنتشر مظاهرهم وشعائرهم في مناطقهم خصوصاً، وفي بعض الاوساط الرسمية.. ويشكلون الغالبية الساحقة في البرلمان، بسبب اغلبيتهم السكانية.. لكن ايكفي هذا للكلام عن "الحكومة الشيعية". فاذا كان هذا صحيحاً، فلماذا لا يقال الحكومة السنية في الاردن، والوهابية في السعودية، والاباضية في عُمان، والمسيحية في لبنان، كتعابير معممة وسائدة، وليس مجازاً واستثناءاً. فالسمة المذهبية ستتحول الى صفة طائفية عندما يكون الامر مقصوداً.. والذي سيتمدد ليشكل اصطفافات سياسية خانقة، ويدخل في تعاملات طائفية مع العراق والعراقيين بدءاً من ابسط القضايا لاكثرها تعقيداً.
لا نبرر او نخفي الكثير من الاخطاء والانحرافات التي سقطنا فيها كساسة و"قوى شيعية" وغير شيعية. فلقد توفرت فرص ذهبية، لم نستثمرها لتعويض تاريخ طويل من التضحية والمعاناة والمظلومية، او لاستثمار الكثير من النجاحات والمكاسب في الموقف من الاحتلال ووجود القوات الاجنبية واقرار الدستور وتنظيم الانتخابات العامة وتحمل وطأة الارهاب وضرباته القاسية.. بل اصبنا –في احيان كثيرة- بالغرور وضيق الافق وعدم التمسك بالمباني الصحيحة، وفهم الظروف الداخلية والمحيطة.. فتفننا في صناعة الاعداء وخسارة الاصدقاء.. وتبديد الفرص.. وعدم تبني السياسات الجادة لخدمة الشعب، وتوحيد البلاد، ومد الجسور، فيما بيننا، ومع الجوار، والوقوف مع اعداء الطائفية ضد كل من يروج لها، سنياً كان، ام شيعياً، ام غيرهما.
هدفنا بمعارضة تعبير "الحكومة الشيعية" محاربة الطائفية وايقاف انتشارها.. فان يحتل الشيعة مواقع كانوا محرومين منها، وان يمارسوا شعائر كان يؤدي ممارستها الحكم بالموت، وان يعود لبلاده من هُجر واسقطت جنسيته لاسباب طائفية، وان تستعاد ممتلكات تم الاستيلاء عليها.. وان تصحح العلاقات بايران او بشيعة العالم لا يجعل من الحكومة "حكومة شيعية". خصوصاً وان نصف الحكومة تقريباً هو من غير الشيعة.. ومن ثلاثة مواقع رئاسية يحتل الشيعة موقعاً واحداً.. وان الاخرين يقومون بعباداتهم وشعائرهم كل حسب مذهبه ودينه. فلم تمس التقسيمات الادارية التي جعلت العراق 18 محافظة بكل خلفياتها الاستبدادية والطائفية.. وبقيت الكثير من قوانين وتشريعات مجلس قيادة الثورة والتعليمات والضوابط السابقة.. بل كيف تسمى الحكومة بـ"الحكومة الشيعية" وابرز من ينتقدها ويقاطعها، احتجاجاً على اخطائها، هو المرجع الاعلى للشيعة انفسهم.
نعم لا ندعي ان السنة يشعرون بالراحة والاطمئنان.. ولكن هذا امر يشترك فيه الجميع –ومنهم الشيعة- لدوافع مختلفة.. فطرف يشعر بانحسار مساحاته وبالضغوطات الشديدة عليه، واخر يشعر بالهجمات والانتحاريين الذين يستهدفونه انطلاقاً من مناطق محددة وبهويات معروفة... فلقد سقط النظام الاستبدادي الدكتاتوري الذي عانى منه الشعب عموماً والشيعة خصوصاً.. رغم ذلك رفضنا في يومها تسميته بالحكم السني –الا مجازاً- للسبب نفسه الذي نرفض اليوم تسمية الحكم الحالي بـ"الحكومة الشيعية".. فالهدف في الحالتين سيكون تسييس المذاهب، او عدم التوقف عن تسييسها، وجعل الاصطفاف الطائفي هو السياسة، وهذا خطر عانى منه العراق والمنطقة كثيراً.. فالتسمية ستحمّل التشيع والتسنن، اخطاء وانحرافات السياسة ومبانيها، وجنون الطائفية ومخاطرها في الاتجاهين.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha