المقالات

لماذا تنحرف المظاهرات المشروعة عن اهدافها؟ ‏

2682 21:04:27 2016-06-11

التظاهر حق مشروع ولاشك ... هدفه الأساسي إصلاح الأوضاع العامة او الدفاع عن حقوق هدرت ‏بالطرق المشروعة السلمية، ولا مجال هنا للمقولة المشبوهة (الغاية تبرر الوسيلة) التي اسقطها التعامل ‏السياسي الوطني من حساباته في جل دول العالم وإن بقى صداها في التعاملات الدولية... كما لا يمكن ‏الاقتناع ان التظاهر عمل عفوي، فهو عمل منظم معد له تماماً واصبح وسيلة من وسائل الاحزاب ‏السياسية والجمعيات الناجحة لفرض إرادتها السياسية بالطرق السلمية، فضلاً عن استغلال المخابرات ‏الدولية للتظاهرات واندساس عملائها فيها لإحداث تغيير في موازين القوى المحلية والإقليمية، فالعفوية ‏من النوادر والعبرة بالشائع الغالب لا القليل النادر ... ويلاحظ إبتداءاً على التظاهرات في العراق انها ‏حملت افكاراً عامة سامية تدعو للإصلاح السياسي ومكافحة الفساد الذي طال جل حياة العراقيين ‏وحقوقهم الوطنية في ثروات بلدهم. ‏

إلا ان هذه المظاهرات لم تصل الى تحقيق اهدافها، بل انها انفلتت وخرجت عن السيطرة في بعض ‏الأحيان وانحرفت عن اهدافها الإصيلة، ووصل الوضع الى إنها تطاولت على رموز وطنية تاريخية ‏‏(الشهيد باقر الصدر مثالاً) وشوهت صور لشهداء قدموا حياتهم الغالية للدفاع عن العراق وشعبه وكثر ‏الحديث عن المندسين وإختراق البعثيين والدواعش ... ‏وسبب هذا الفلتان والأنحراف يعود الى طبيعة هذه المظاهرات في العراق ..‏

فهي أولاً: مظاهرات غير متجانسة فكرياً، بمعنى إنها تضم جموعاً من ثقافات شتى، بينهم البسيط الجاهل ‏والمثقف ذو التأهيل العالي، بينهم المتدين وغير المتدين، العلماني والإسلامي المتطرف، بل حتى النزيه ‏واللص. ومثل هذا الوضع يشتت الاهداف ويذهب بقيمتها ويحولها احيانا الى مطالبات ذات طبيعة ‏شخصية بحتة. ‏

‏ ثانيهما: انها تظاهرات بلا قائد ميداني وسط الساحة يقود توجهات الجماهير وتنصاع لتوجيهاته ‏المعنوية والأخلاقية المباشرة. ‏

وثالث هذه الملاحظات، وهذه نتيجة منطقية لما تقدم، انها سهلة الاختراق.‏

وعلى سبيل المقارنة، كانت التظاهرات في خمسنيات وستينيات القرن الماضي في العراق منظمة تنظيماً ‏دقيقاً يشارك فيها الرجال ‏والنساء ولم تسجل خلالها اية خروقات عدوانية، والسبب انها كانت مظاهرات ‏متجانسة الى حد ما فكرياً( مظاهرات للعمال، مظاهرات ‏للأدباء والمثقفين، مظاهرات حزبية، مظاهرات ‏نسوية، ...) وتقودها على اختلاف شخوصها قيادات ميدانية وكانت صعبة الاختراق.‏

ماذا ينتج عن عدم التجانس او عدم وجود قائد ميداني .... لاشك انه الفوضى واللاعقلانية وانعدام ‏المنطقية في السلوك والتصرفات.‏
فضلاً عن هذا مدعاة لدخول اجندات متهيئة لاقتناص الفرصة محاولة لتوجيه المظاهرات لأغراض مبيتة ‏تحرف المظاهرات عن هدفها الأصلي، ومن هذه الأجندات بالتأكيد اجندات مخابراتية واعلامية متخصصة ‏ومدربة على استغلال مثل هذه الاوضاع، خاصة وإن العراق وشعبه يقود نيابة عن الإنسانية جمعاء ‏حرباً مقدسة ضد قوى الظلام والشر مما حدا بتلك الاجهزة لإستغلال هذه المظاهرات لفتح جبهة نزاع ‏داخلية بين العراقيين انفسهم ....‏
ان التظاهر يخضع لقواعد ما يعرف في علم النفس الإجتماعي بــ (العقل الجمعي) ويسمى احيانا من قبل ‏بعض الباحثين بـــ (الأثر الاجتماعي المعلوماتي) الذي ينتج عن سطوة الجماعة على عقل الفرد، وأثر ‏سطوة الجماعة على الفرد تظهر في قابلية الأفراد إلى الانصياع إلى تصرفات معينة بغض النظر عن ‏صوابها من خطئها في ظاهرة تسمى في علم النفس بــ (سلوك القطيع).‏

ويمكن تعريف (العقل الجمعي) بأنه: ظاهرة نفسية هي أحد أشكال الانصياع والإذعان، تفترض فيها ‏الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً، وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد ‏السلوك المناسب، وبدافع افتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة‎.‎‏ والعقل الجمعي له ‏خصائص جديدة مختلفة تماما عن خصائص عقليات الأفراد المكونة له وتختفي شخصيتهم الواعية.‏

‏ وأظهرت الدراسات ذات العلاقة أن السلوك الجمعي قد يدفع الجماعة إلى الانحياز سريعاً إلى أحد الآراء ‏او التصرفات. فعندما يفقد الفرد قدرته على اتخاذ موقف من أمر معين، يلجأ إلى الآخرين بحثاً عن ‏مؤشرات وعن القرار الصحيح والموقف المناسب لتجنب النظر إليه بسخرية. ‏

وعلى سبيل المثال تستخدم المسارح أحيانا حضور مزرعون بشكل خاص الذين قد أعطو تعليمات ‏ليصفقوا تصفقيا حارا في أوقات معينة، هؤلاء الناس هم من يصفق بدايةً فيتبعهم باقي الجمهور وهذا ‏معناه ان العقل الجمعي يمتلك قيمته عندما يكون ما يهم هو أن تكون على حق في نظر لغير، وتعتقد بأن ‏الآخرين هم أجدر بمعرفة الحق. ورغم أن هذه الظاهرة السيكولوجية 

ورغم أن هذه الظاهرة السيكولوجية تختلف وتتباين وفقا للثقافة، والموقف والظروف المحيطة، فإن ‏الدراسات أظهرت أن تلك الظاهرة تعيق وتمنع القدرة على الحكم الشخصي، وتلغي المعايير الاجتماعية، ‏وتجعل الناس أكثر تأثراً بالإيحاء وبأفكار الآخرين بطريقة مثيرة للغاية.‏
وترى النظريات النفسية الحديثة ان ما تقدم لا يمكن ان يحدث بوجود قائد ميداني يفرض سلوكه الأخلاقي ‏الواعي على الجماهير ويقودها نحو تحقيق الأهداف دون أن تظهر نوازع الشر والعدوان على الاشخاص ‏والممتلكات العامة. كما إن بطأ الاصلاحلات وعدم مواكبتها الى تطلعات الجماهير قد ينذر بعواقب وخيمة، ‏حقاً ان التظاهرات المنفلتة بقت لحد الآن امراً محدوداً ولكن هذا ليس خبراً مفرحاً لساستنا ذوي الخبرة ‏المحدودة، فالحال كما ثبت من واقع الحياة السياسية المعاصرة ان رد الفعل المحدود الصغير قد ينمو ‏ويكبر ومن ثم يصعب حينئذ السيطرة على الوضع، فظاهرة الفلتان كالحريق إن لم تتمكن من خمده في ‏بدايته فإنه سيلتهم كل شيء في النهاية، وهناك اشارات واضحة ان ظاهرة الفلتان في التظاهرات تنمو ‏وتتسع نوعياً ومكانياً وإن لم تصل بعد الى مرحلة الخطر المحدق.‏

ومن الطريف ان نذكر إن للعقل الجمعي أثره في مصير الحروب، فقد يتسبب جندي واحد في خسارة ‏معركة خطط لها بكل عناية، اذ تذكر احدى الروايات التاريخية انه في أحد المعارك الاشورية الروتينية ‏ان أحد الجنود الاشوريين أصيب بنوبة من الهلع وبدأ يصرخ (لقد فقد قائدنا عقله) وعلى الفور ترك ‏جنود الدولة الاشورية اسلحتهم ولاذوا بالفرار بعد ان كانوا على اعتاب النصر المحقق.‏

وفي غزوة أحد صاح احدهم ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل فأنسحب بعض المسلمين وكان ذلك ‏سبباً في هزيمة المسلمين في تلك الغزوة.‏

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك