اعلن القائد العام السيد رئيس الوزراء مساء الاحد المنصرم عن بدء معركة تحرير الفلوجة من قبضة الارهابيين.. فالاستعدادات قائمة منذ فترة.. وعمليات عزل الفلوجة وتطويقها كانت جارية على قدم وساق، بعد تحرير الكثير من المناطق في الانبار ومنها الرمادي وهيت والرطبة، لقطع طرق امدادات "داعش" والفصل بين جبهاته مما يبشر بنتائج ايجابية لهذه المعركة الحساسة بكل اثارها اللوجستيكية والمعنوية.. فالفلوجة كانت دائماً مسرحاً للعمليات الارهابية باتجاه بغداد وكربلاء وبابل والنجف وبقية اجزاء العراق.. كذلك كانت نقطة قيادة ميدانية حقيقية لكل مسرح الانبار، بل بقية المناطق. وان تحرير الفلوجة بقدر ما سيكون نصراً عسكرياً سيكون ايضاً نصراً سياسياً ومعنوياً كبيرين.
ومن مؤشرات انطلاق معركة الفلوجة وازدياد الضغط على "داعش"، محاولات الاخيرة المشاغلة وتفكيك حركة القوى بقيامها بسلسلة من العمليات الانتحارية والمحاولات التعرضية والتي ازدادت خلال الاسابيع الاخيرة.. وهذا امر متوقع فالعدو ما زالت له قدرات ويجب الحذر منه وغلق كل الثغرات الممكنة بما في ذلك في اطار الحملة النفسية. اذ نقلت الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي تقاريراً، قيل انها موثوقة، تشير ان "داعش" تحضر لهجوم كبير يستهدف بغداد ومناطق اخرى حساسة. ولاشك ان ما يدفع البعض لترجيح هذه التقارير تحركات "داعش" لفك الحصار عن الفلوجة وابطاء حركة القوات بسلسلة عمليات هجومية كما جرى على بلد وانفجارات بغداد او مستودعات الغاز في التاجي، او التماهي مع السكان في الكراغول والرضوانية والمناري وغيرها.. لكننا انطلاقاً من اتجاهات المعركة وتوازنات القوى نعتقد ان فكرة الهجوم الكبير لـ"داعش" على بغداد هي اما قراءات مبالغ بها، او تسريبات يقوم بها العدو لابطاء هجوم الفلوجة بشكل خاص، دون ان تمنع هذه الرؤية من اتخاذ اجراءات الحيطة لكن بدون مبالغة او هلع.
اما الانحراف الاخطر الذي يمكن ان ينقذ "داعش" فهو الصدام بين الفرقاء الوطنيين، وانفلات الاوضاع، كما حصل في اقتحام مؤسسات الدولة، ومنها الامانة العامة لمجلس الوزراء يوم الجمعة الماضية. فانهيار الحكومة او مجلس النواب او اية مؤسسة هو هدية مجانية تقدم لـ"داعش".. وهي اعمال لا يمكن تبريرها تحت اية ذريعة كانت. فالمرحلة مرحلة حرب وحياة او موت، وهو ما يجب ان يولى الاهمية القصوى.. وان تغليب اية قضية على محاربة "داعش" هو انحراف خطير.. ولولا فهمنا ان النجاح في المعركة يتطلب ايضاً سياسات ناجحة داعمة للمجهود الحربي، وحكومة ناجحة في توحيد الصفوف وتقديم الخدمات وبناء العلاقات لقلنا بغلق كل الملفات عدا ملف الحرب.. فالنقاشات والاجراءات والاختلافات يجب ان تخدم دعم المقاتلين وتوفير مستلزمات انتصارهم، وليس ارباك الاوضاع وارهاق الوضع العام بما لا يحتمل.
ان المهمة ليست بسيطة، فرغم تأكيدات الناطق الرسمي باسم الحكومة في 12 ايارالماضي ان ما بيد "داعش" من مساحات قد تراجع الى 14% من ارض العراق (438 الف كم مربع).. لكن هذه مساحات تبقى كبيرة رغم التقدم الامني الكبير الذي تحقق.. اي ما زال بيد "داعش" اكثر من 60 الف كم مربع.. وهذا يعادل مساحة لبنان 6 مرات تقريباً، بعد ان كان يسيطر على 40% من مساحة العراق وهذه اكبر من مساحة سوريا البالغة 185 الف كم مربع.. فالمعركة ما زالت طويلة ومعقدة، وكثيرون لن يروق لهم اندحار "داعش"، التي تمثل هزيمتها انجازاً عظيماً لن تتحقق بدونه لا اصلاحات ولا محاربة فساد ولا خدمات. وعليه فان تصعيد التوتر في بغداد يستثمره الاعداء.. ويجب ان نلجأ جميعاً للغة التسوية وتفهم بعضنا الاخر ومد الجسور مع كل اعداء "داعش".. وان الانشغال ببعضنا واستقدام المزيد من المقاتلين للعاصمة من القوات المسلحة او الحشد لحل مشاكل سياسية سواء لمنع اعمال الشغب او لحماية التظاهرات هو بعثرة للقوى وتعطيلها خارج الواجبات الاساسية التي يجب ان تقوم بها في مقاتلة "داعش".
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha