في اطار النقاشات الجارية، ارى مفيداً اعادة نشر مقدمة واستنتاجات مقالة طويلة نشرتها في مجلة "النور" اللندنية قبل حوالي العقدين، بعنوان "شيعة العراق بين مفهومي الاغلبية والاقلية":[" يمثل الشيعة أغلبية سكانية في العراق، لكنهم يمثلون اقلية عددية في العالمين العربي والاسلامي.. فهل سينظم الشيعة انفسهم وتفكيرهم باعتبارهم اغلبية سكانية؟ أم باعتبارهم اقلية نوعية او عددية، فيقبلون بالواقع الظالم المسقط عليهم والتعسف الشديد الذي يُعاملون به؟ فأين نموضع مسألتي الاقلية والاغلبية.. وكيف نرى دوائر السياسة والاجتماع
الدائرة السياسية: الحيز السياسي في واقعه الفعلي هو ليس معادلا رياضيا للحيز الاجتماعي.. انه نتاج عوامل القوة والعدد والظروف (او ما يسميه ابن خلدون بمدى الوحشية وقوة العصبية).. وان القوى الاسلامية المجاهدة والعلماء ورجال الفكر مطالبون بوضع اسس عملية ومبدئية للنظام الذي يقترحونه، والذي من شانه ان يجمع كل عناصر المجتمع وليس بعض عناصره. وان يوفر الشروط لصياغة كل الحلول الاخرى التي هي ضرورات لايمكن لمجتمع من المجتمعات ان يعيش بدونها، مثل الاقتصاد والسياسية والتعليم والصحة والامن والفنون والثقافة والرفاه وغير ذلك من مسائل قد لاتكون في دائرة اهتمام المتصدي، لكنها جزء من حياة المجتمع بكل اطرافه وتركيباته.
الدائرة الاجتماعية: اما الاجتماع فان ما ينظمه اولا هو ليس مفاهيم الاغلبية والاقلية بل مفاهيم التاسيس والعقود.. وان الاجتماع الناجح والقابل للديمومة والاستمرار هو ذلك الذي يوفر حسن التوزيع والتوازن والفاعلية في علاقات مركبات المجتمع بعضها بالبعض الاخر لكي، لاتسود اقلية على اغلبية ولا اغلبية على اقلية.. والمسألة هنا قدرة اية جماعة وحيوية نشاطاتها وفاعليتها للتاثير على الجماعات الاخرى. ففي العراق مثلا استخدمت السياسة دائما للضغط على الشيعة لاضعاف ثقافتهم وهويتهم ودورهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وزرع عوامل الحطة والدونية وعقلية الاقلية. وهذه منطلقات الخطاب والمشروع.
- من الضروري كهدف مباشر دحض نظرية الاقلية الشيعية في العراق وكل النظريات (التي نرددها احيانا بدون وعي) كحصر الشيعة بجغرافيات.. وان تحقيق هذا الهدف سيهد مرتكزا رئيسا من مرتكزات الاحتكار والاستبداد.
- وفي دائرة الاجتماع، نرى تطوير اطروحة تاسيسية اساسها الشراكة بين مختلف الاطراف، والامتداد والتواصل مع الدوائر الخارجية التي هي جزء من مناخ العراق ومستقبله ومصيره ومصالحه.. وضمان مصالح الفرقاء صغيرهم وكبيرهم.
- ان التربية على تنمية الوعي الشيعي يجب ان لا تسير بالضد من التربية على تنمية وعي اسلامي او وطني او قومي.. فهناك طرحان: يرى الاول الانكفاء والانغلاق.. ويرى الثاني ان الدفاع عن الشيعة هو بحيويتهم واستنهاض دورهم.. فان كانوا اغلبية في دائرة معينة فان قوة النوع ستعزز كثرة العدد.. وان كانوا قلة في غيرها، فان قوة النوع ستحمي قلة العدد.
- يعتمد قيام الاغلبيات والاقليات في الاطار السياسي بمدى الفاعلية التي ستمارسها القوى السياسية في استنهاض عموم تيارات الشعب. وان ارتكاز القوى السياسية الشيعية على شعارات الهوية، لا يعني الانغلاق على دائرة الارتكاز بل اعتبارها المنطلق الاكثر فاعلية في التحرك لدى تلك القوى لتقديم الحلول العامة التي يجد فيها كل ابناء الشعب مطامحهم ومصالحهم، وذلك بغض النظر عن الدين او المذهب او القومية.
- الاغلبية العددية، اذا ما اسيء طرحها ستقود الى فتنة كبيرة ليس مع شركاء الوطن فقط بل مع شركاء الدوائر الاخرى ايضا. وهذه مهمة آنية يرتبط بها تفكيك اهم مانع للتغيير السياسي متمثلا بمنح الفئة المستبدة في الداخل بقدرات تاتيها من الخارج لجعل ميزان القوة الداخلي لصالحها.. وهي ايضا مهمة طويلة الامد يرتبط بها مستقبل العراق كله. لذلك يجب موضعة الاطروحة وتحويل الغبن الذي يصيب الاغلبية السكانية الى دليل وحجة لمحاربة الاستبداد والظلم في البلاد والذي يتضرر منه الجميع.. وان استنهاض الاغلبية ووعيها لحقوقها هو استنهاض الوطن كله، ووعي كل الاطراف لحقوقهم التي لكل منها مساحتها في الاجتماع والسياسية.. ليخرج الجميع وهم يتقاسمون المرابح والمكاسب والحقوق وليس الهزائم والخسائر والضعف."]
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha