العراق الحالي هو امتداد للحضارة السومرية ،أولى الحضارات الإنسانية على الارض وتلتها حضارات أخرى متتالية ، وسميت باسم بلاد الرافدين لانها تحوي نهرين عظيمين هما دجلة والفرات وتمتاز أرضها بخصوبة لامثيل لها ( ارض السواد ) وغناها بالموارد الطبيعية التي يفتقر لها الكثير من بلدان الدنيا ولتربعها في قلب العالم، مما جعل ان تهفو اليها نفوس الطامعين والغزاة ، وبقدر ما عان أهلها من تلك الغزوات ترسخت فيها جذور حضارات العالم، ويغفوا في ترابها المئات من الانبياء والرسل لهذا فأن ارضها مقدسة حاضنة للاديان ومازال شعبها كريم النفس شامخاً باقيا محتفظاً بقيمه ، محافظاً على حضارته وعراقته رغم المحن التي مرت عليه ، واقساها الفترة الزمنية التي قادها صدام حسين وحزب البعث قرابة خمسة و ثلاثين عاما، وبدد خيراته وثرواته رغم كونه كان من أغنى دول الشرق الأوسط ، جعل منه أفقرها اثر زجه بحروب عبثية لا يأتي بها العاقلون ، و هو اليوم جريح يصيح من الألم ، يستجير بالقاصي والداني لإسعافه وتضميد جراحه، وجراح العراقيين مازالت تنزف دما يوميا.
فبات العراق يحتاج الى سنوات ليستعيد عافيته و توازنه ويكون كما هو اهل له كدولة عزيزة مستقلة ثرية بشعبها وخيراتها وتلتحق بالعالم .الأزمات المزمنة تتكاثر في العراق وهي حتمية نتيجة الاخطاء السياسية التي ادت الى تمزيق وتزلزل وحدته ، بفعل بعض العقول السياسية المسيطرة التي تفتقر إلى النزاهة والقدرة ، وتعتاش على جراحه وعندما تكون العقول هكذا، تبدأ الأزمات تنمو في الظلام ، تكبر خلف الكواليس، تتضخم بعيدا عن الفضاء الظاهر، بعدها تخرج ، لتظهر على شكل عواصف مدمرة، و مرعبة، وهذا ما حصل، فمن كيل التهم والتهميش إلى سرقة المال العام، ومن العجز في تقديم الخدمات إلى تفشي الرشوة التي انقلبت إلى سلوك عام متداول ، إلى سقوط المدن بيد داعش والمجاميع التكفيرية، وما رافقها من ضياع الأرواح والأموال، وحالات تهجير وتشريد، إلى الاستجداء من دول العالم وهبات يسرقها كبار الموظفين والمسؤولين، إلى هزيمة المنظومة الأخلاقية، وغياب الشعور بالوطنية، إلى سلطة العشائر وغياب القانون، إلى المحسوبية والمنسوبية في التعامل وفق معايير القبيلة، إلى تصدع وانهيار الاقتصاد العراقي، إلى الانحطاط في نمط التفكير العام، ودفعه إلى صياغة المناهج الظلامية المتخلفة، وتحولت الى فجيعة و هجرة العراقيين وهم يحتشدون على أبواب سفارات الدول للخروج من بلدهم، إلى غيرها من الانتكاسات التي طالت الحياة .
في الوقت الحالي العراق يمر بظروف صعبة ومعقدة جداً ربما ستؤدي إلى كارثة كبيرة ( لاسامح الله ) تصيب الشعب العراقي في حالة عدم الإسراع إلى حلها عبر اتخاذ خطوات ناجعة سليمة بعيدا عن المناكفات . لابد من ايجاد خطوات اذا ما تم إتباعها وتنفيذها بدقة فإنها ستُسهم في حلحلة الأزمة وتحقيق الإنسجام بين أبنائه للخروج من المشهد الشائك الذي يمر به . والعمل على تجاوز الأزمة السياسية الحالية من الامور المهمة خصوصا وان هناك حرب ضدّ التنظيمات الارهابية وعصابات الشر في عدة مناطق من البلاد فرغم التقدم الذي حققه الجيش العراقي على حساب هذا التنظيم الإرهابي الذي لاتزال خطورته قائمة ومهدّدة لامن واستقرار البلد .
على نواب الشعب ان يأخذوا بحساباتهم اثمان الحرب ضد "داعش" والضغوطات الاقتصادية المرهقة والتداخلات السياسية، الداخلية والخارجية وحسابات الابعاد الاجتماعية التي لا تسمح سوى بإيجاد حلول عاجلة لهذه الازمة والتفكير جدياً وملياً للخروج منها بأسرع وقت. فمدى واحتمالات التصعيد لابد ان يتوقف، ولابد للذهاب لخيارات وقرارات الحل ولا يمكن ان تأتي الا من القوى السياسية المتواجدة في البرلمان وخارجه من جهة والحكومة بمشاركة الشارع الذي يمثل الحلقة الاقوى والقادر على مسك البلاد من جهة اخرى . وبالتسوية المؤقتة لا يعني حل مجمل المشكلة لانها تمس نمط النظام السياسي برمته بمعنى ان الديموقراطية العراقية مازالت هشّة أمام لوبيات ومافيات الفساد التي دمرت البلد إلى الحد الذي يؤكد ان استشراء الفساد سيولد ثورة مستمرة تحاسب الحكومة والنواب وحتى قادة الكتل السياسية عليه .
الامل في أن يتجاوز العراق هذه المرحلة الحرجة من تاريخه وأن يسترد عافيته واستقراره وأمنه حتى يتحقق لكل مواطن أمله في مستقبل أفضل لان هذا هو رجاء وأمنية الجميع .
https://telegram.me/buratha