بدأ الأب حديثه بشدة مع ولده وهو ينظر إلى هاتفه بنظرة مليئة بالخوف قائلا: من أين تأتي بمحتويات هاتفك النقال ؟
اخذ الولد يتراجع إلى الوراء خوفا من العقوبة التي سيوقعها الوالد به مع انه لا يدري ما هي المشكلة التي يتحدث عنها الأب .!!!
وتمالك الولد نفسه واخذ يسال والده عن هذا التوتر الحاصل وعن سبب خوفه وسؤاله وهل يحق لك أن تطالبني بالإفصاح عن تلك المصادر ؟؟
عاد الأب إلى وضعه الطبيعي ليدافع عن نفسه بعد أن كان مهاجما وقال : ليس هدفي إجبارك على أمر غير صحيح ولكني قلق مما اسمع وارى عن محتويات هواتف الشباب التي أفقدتني صوابي .
عاد الولد قائلا : وهل يحق لك أن تحذف من هاتفي ما لا يعجبك من دون علمي ؟
شعر الأب بالإحراج من هذا السؤال الذي جاء على غفلة من الزمن واخذ يبحث عن وسيلة للجواب لا يكون بعدها مطالبا بالتبرير فقال لابنه :
إنني منذ أن طرق سمعي ما سمعته عن مخالفات الشباب ,وتضييع وقتهم في أمور ليس فيها سوى تضييع الوقت والجهد ثم الأخلاق ؛حتى أخذني الخوف الشديد عليك وعلى إخوتك من هذه المزالق التي جعلت مستقبل الشباب يذهب إلى المجهول .
فلا تلومني عندما تراني افقد توازني في البحث عن تلك الأمور كالشرطي الباحث عن أداة الجريمة , وقد سألتني عن حقي في هذا الفعل وأنا أظن أن من حقي الحرص على أبنائي وأنت واحد منهم وهذا التحسس عن تلك الأمور سببه خوفي من وصول الخطر إليك .
فعاد الابن مبتسما وأراد أن يخفف من إحراج أبيه من تساؤلاته المتعددة فقال بصوت محبب : إني افهم هذه المشاعر لكنني لم أعاني في يوم من الأيام من ضياع في دهاليز الحياة حتى اتاثر بهذه الأمور وقد كنت لي منذ الصغر صديقا مقربا لا اخفي عنك شيئا .
ولو سألتني عن رأيي في هذه الأمور لسمعت مني ما يزيل كل هذه المخاوف والهواجس التي شغلت بالك .
تنفس الأب الصعداء وعاد مستبشرا واخذ برأس ولده مقبلا لكن الولد لم يسكت وقال لأبيه : عندما تريد أن ترى محتويات هاتفي بلغني وأنا سأدفع إليك هاتفي لتنظر فيه دون أن تحتاج إلى التوتر والخوف فأنت إذا أخذت هاتفي دون علمي وأزلت منه بعض الأمور فأنت ستمارس سلطة غاشمة وقد تتورط في الحرام بسبب الحرص الزائد والحماس غير المبرر للحفاظ على أبنائك .
والآن أسالك يا أبي : هل يحق للأب أن يمارس سلطة القانون في التعامل مع الأبناء فيحدد لهم ما يضعون في هواتفهم وما شاكل ذلك ؟
أجاب الأب : ليس عندي أدنى شك في أن الأب يحق له أن يمارس سلطة على الأبناء, لكن هذا يختلف بالنسبة إلى عمر الأبناء ,وطبيعة الأمور التي يريد ان يمارس سلطته فيها ,فقد يكون يريد أن يمنعه من الخطر على حياته , والأذى وفي مثل هذه الحالة لا شك أن من حق الأب أن يحمي أبناءه بالطرق المتاحة له , أما إذا كانت القضية مرتبطة بسلوك الأبناء مع الآخرين وغيرها ,ففي مثل هذه الحالة يختلف الحكم بين الأمور التي يحرم فعلها , وهي معلومة للأب بصورة واضحة مثل استماع الأغاني وما شابه ذلك , فيحق للأب أن يمنع من ذلك , وبين الأمور التي يخشى الأب منها , وان كانت غير معلومة الحرمة عند الأب , ففي مثل هذه الحالة يحق للأب التحذير من النتائج الوخيمة للاستعمال السيء للهاتف النقال ؛ولكن لا يحق له أن يعتبر نفسه محددا لوجود هذا المحتوى وعدم المحتوى الآخر مع عدم وضوح حرمة المحتوى عنده وإنما يساوره الشك بالنسبة إليه ليس أكثر .
ولهذا يحرص الكثير من الآباء على المنع بطريقة عنيفة ,وهي رسالة سيئة للأبناء تعلمهم الإخفاء ؛وتجعل الآباء في حالة خوف دائم من وجود هاتف غير مراقب المحتوى .
https://telegram.me/buratha