المقالات

لم أفهم! فهل فهمتم؟

1894 19:54:53 2016-04-18

كل انسان يولد لا يفهم شيئاً, وهذا شيء طبيعي, كونه قد أتى حديثاً, ليتعلم بعد ذلك شيئاً فشيئاً, إلى أن يكتمل عقله, ولكن أن يصل الى الستين, ويقول: شفتهمنا!؟ فهذا شيء غريب 

يقول والدي ذي الثمانين عاما: أن أمي ولدتني, في السابع من محرم, والناس تنادي" يا عباس جيب الماي لسكينه", أما والدتي فتنادي" ياعلي", فهي مخالفة النداء, للحالة التي تمر بها كل والدة, ومن الطبيعي أني لم افهم شيءً حينها, كبرت ووصلت للخامسة من عمري, فشد والدي الرحال, مستصحباً العائلة بالكامل, للسكن في بغداد, مدينة واسعة مختلفة عما ألفته, ولم حينها ما هو السبب!

تحولنا من دار لآخر, فشاهدت لأيام عدة, خروج مجاميع تهتف, ثم يحصل العراك, على ماذا ولماذا؟ لا أعلم! سجلني والدي في المدرسة, عند وصولي السن القانوني, وفي يوم من الأيام, سمعت هتافاً يتجه للمدرسة" فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية", ليتم إبداله بهتاف غريب" لو تطلعوهم لو نكسر الجام", فيجيبهم الطلبة الكبار, منادين إدارة المدرسة" لو تطلعونه لو نكسر الجام", ولم أفهم شيئاً! ولكننا أخرجنا من المدرسة.

عند وصولي للدار, سألت والدي عن السبب فقال: إنها تظاهرة, تجري كل عام في وعد بلفور, حيث تم بيع فلسطين! شاهدت يوماً وأنا في السوق مع أمي, الزعيم الذي أسقط النظام الملكي, لقيم نظام جمهوري, والناس تنادي:" عاش الزعيم عبد الكريم قاسم" ولم أفهم لماذا ينادي الناس, ثم توالى على الحكم, عبد السلام فمات في سقوط طائرة, فاستلم أخيه عبد الرحمن, ليقطه حزب البعث! فسمعت نداءً يوماً ما, " بالروح بالدم نفديك ابو هيثم" ثم تنحى ذلك الأبو هيثم, ليمسك بالسلطة صدام, فينادي الشعب" بالروح بالدم نفديك يا صدام", ولم أفهم أي شيء, رغم أني تجاوزت العشرين من العمر!
أقف عند ذلك النظام البعثي, كوني كنت أعتقدُ, أني وصلت لمرحلة الفهم, وإذا بأناس تؤخذ للسجن, واعدامات وترحيل, وخلافاتٌ بين الشعب, مؤامراتٌ وحروب, تكلَّلَت باحتلال العراق بلدي, وإذا بي أشاهد الشعب يخرج, ليهتف" وين الحاربك وينه, صدام النذل وينه", ما الذي يجري!؟ هل تغير الشعب, أم انه فصام بالشخصية!؟ لم أفهم!

جرت السنين مسرعة, ليتهم هذا الفريق فريقاً آخر, إلى أن وصل لسمعي هتاف" بالروح بالدم, نفديك ابو اسراء", ليضيع بعدها ثلث العراق, ويصبح بيد تنظيم إرهابي اسموه "داعش", ذبحٌ وجلدٌ, سبي, كأني أقرأ تأريخ ما قبل الإسلام, أو واقعة كربلاء جديدة, شملت العراق بكامله!.

ما بين هذا وذاك من الأخبار, اتهاماتٌ بالسرقات, وشبهات بالفساد, ليصرح كل من يخرج على الشاشة, امتعاضه مما يقوم به خصمه, والخصوم شركاء بالحكم, يأكلون على مائدة واحدة يتزاورون, يجتمعون, يتحادثون بأدب واحترام, سرعان ما ينقلب الأمر, الى عراك واتهام! وأدرك أني لم أفهم شيء!
نادى الشعب" نريد الإصلاح ومحاسبة الفاسدين", فردد الساسة النداء كأنه صدىً, "نريد الإصلاح", ولكنهم كما يبدو, لا يعلمون من أين يبدؤون! فكلهم متهمون, خرجت تظاهرات, رُفعت صورٌ, قيل أنها تمثل الفاسدين, وسارقي قوت الشعب, ولكن أغلبهم قد انتخبهم الشعب, فما الذي يجري؟ لم أفهم! 

تظاهرات علمانية, تنادي بإسقاط الفاسدين, فيقوم رجل دينٍ, بتحشيد أتباعه, ليتظاهر بهم ويعتصم, فيقف العلمانيون معه ويعاضدوه مؤيدين! وبدل الإصلاح يخرج تغيير الوجوه! فينتفض من تشوبه الشبهات, ومن كان ينتقد الاعتصام الشعبي, ليعتصموا في البرلمان! ويكونوا تحت القبة برلماناٌ أسموه" برلمان الاعتصام" ولم أفهم شيئاً!

أبناء العراق ضاعوا فكرياً, ما بين تظاهرات واعتصامات شعبية, ونداء بالإصلاح, وتكوين حكومة تكنوقراط, يتحولون إلى تأييد من اتهموهم بالسرقة والفساد! وهذا يذكرني بكلمة كان يرددها" غوار الطوشي: " فهمتوا شي لا ما فهمنا".
وإلى أن يفهم ساسة العراق الإصلاح, ليفهم الشعب العراقي بعد ذلك, أترككم حتى أفهم, بعد أن ناهز عمري الستين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك