في أزمتنا السياسية الراهنة؛ من يمتلك الحول والقوة؟!
ما من شك في أن البعد الخفي، للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، لا يقتصر على مطلب الإطاحة بهيئة رئاسة البرلمان، فهذا مطلب مستحدث، لم يكن في وارد الأزمة، بل أن أصل الأزمة؛ هو في رغبة رئيس الوزراء بتغيير كابينته الوزارية الحالية، بعد ان وجدها مليئة برؤوس الأكباش السياسية، لأنها وببساطة رؤوس تمتلك قرونا، لا يمكنه مناطحتها، لا سيما وأنه لا يمتلك قرونا يناطح بها، وهو الموتور في حزبه!
على أية حال؛ مضى رئيس الوزراء قدما في مطالبه، مدعوما برغبة شعبية جامحة بالتغير، وبإسناد مرجعي لم يحظ به الذين سبقوه، لكنه مضى على غير هدى مستعينا بلجان سرية، دون أن يذهب الى ممثلي الشعب في مجلس النواب، ودون أن يستأنس برأي القوى السياسية الفاعلة، وبضمنها التحالف الوطني الذي ينتمي اليه.
كانت النتيجة أن تم تهميش البرلمان والقوى السياسية، والشعب أيضا، وجرى تخل عمدي عن إسناد المرجعية، التي وجدت أن أحدا لا يستمع الى صوتها الذي "بُح"، فنأت بنفسها عن تداول الشأن السياسي، وأكتفت بالتوجيه العام؛ من خلال شرح رسالة أمير المؤمنين علي عليه السلام، الى عامله على مصر، وهي رسالة تكتنز من المعاني، والأساليب الازمة لإدارة الدولة، ما جعل الأمم المتحدة؛ تتخذها كأحد وثائق الإدارة المهمة، ولكننا نبذناها جهلا أو عمدا؛ وذهبنا الى جورجيا بحثا عن حلول!
المحصلة؛ لقد أدخلنا السيد رئيس الوزراء بأزمة كبرى، دون أن يكون راغبا في ذلك على الأكثر!
إننا كمواطنين أنهكتنا السياسة ولعبتها، وتعبنا من اللهاث اليومي في متابعة للتطورات، والتداعيات التي تتم على ساحتها، وتعلمون أن جانبا كبيرا من هذه المعاناة، يعود إلى شيوع ''سياسة حافة الهاوية''، التي باتت عنوانا للأزمات السياسية المتلاحقة، والمشكلات التي نواجهها، إذ ما تكاد تخبو واحدة منها، حتى تثار أخرى على وقع سابقتها!
العقل والمنطق يقولان: أنه عندما تصعد مشكلة ما إلى قمتها، ويصبح الخوف مرسومان على وجوهنا جميعا عند نقطة معينة، لابد لأحد طرفي الأزمة، أن يرتد قليلا الى الوراء، لكن هذا لا يحصل هنا، لأن معظم الساسة يعتقدون أنهم عنترة بن شداد!..
لقد صارت سياسة حافة الهاوية، وسيلة لإدارة فصول الأزمة عند القادة السياسيين، وهذا هو ما يطلق عليه سياسيا، عملية "إدارة الأزمة بالأزمة''، وهو أسوأ عمليات إدارة المشاكل السياسية وحلولها، ومنها ما حصل في مجلس نوابنا الموقر في الأيام الفائتة.
إن كثير من الساسة العراقيين، قد أحترفوا فن صناعة الأزمات، بل وأصبحوا ماهرين بها مهارة قذرة؛ قوامها الإبتزاز السياسي، بغية الحصول على حوافز وامتيازات أكثر، ولم لا؟! ما دامت سياسة ''حافة الهاوية'' ذات جدوى ومنفعة.
وسط هذه الأجواء، وما دام نظامنا الديمقراطي يتيح ذلك، وما دامت تأثيرات المحيط الإقليمي فاعلة، ومادام ثمة من هو مستعد دوما للدفاع عن المخطئين، فلنتوقع مزيدا من الأزمات! ما يجري هنا يبدو وكأنه ملهاة لا أكثر، لكنها ملهاة سوداء؛ تلعب بأعصابنا وتدمرها، وفي ظل هذه الأنماط في إدارة الأزمات، نبقى نحن كموطنين نتابع ونترقب، من موقع اللاحول ولا قوة لهم، وهنا يكمن العيب..
كلام قبل السلام: ما لم ننتقل الى موقع الحول والقوة، ونجبر الساسة على أن يحسبوا حسابنا، فيما هم سادرون فيه من غي، سنبقى متلقين للأزمات بل سنصبح وقودا لها!
سلام...
https://telegram.me/buratha