فراءة في عينية الشاعر عبد الباقي العمري. القسم الثالث.
لقد قال الإمام علي ع عن الخوارج قولته المشهورة ( إخواننا بغوا علينا ) رغم حقدهم الشديد عليه وتكفيرهم له ع، وتجنياتهم الكبرى بحق الإسلام. لأن نظرته لأعدائه نابعة من نظرة معلمه ومربيه رسول الله ص حين تعرض لشتى صنوف الأذى من الأعداء فخاطب الله رسوله الكريم بالآية:
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين.) الأعراف -199.َ
وحين أطلق ص قولته في وجه أبي سفيان ومن معه من الذين أذاقوه من ألوان الأذى يوم فتح مكة ( إذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
وكلما كان يزداد حلم الإمام ع وتتجلى إنسانيته ع كان يشتد غدر أعدائه والتأريخ شاهد على ذلك في الكثير من الحوادث وقولته للخوارج هي واحدة من آلاف المواقف.
ويستطرد الشاعر عبد الباقي العمري في بلاغاته الوصفية المقرونة بالحقائق التأريخية لشخصية الأمام ع التي ليس لها حدود في نقائها وطهرها وسموها الإنساني العالي حيث يتطرق إلى عدالته وتفانيه في سبيل الحق والعدل فيقول : وأنت والحق ياأقضى الأنام به
غدا على الحوض حقا تحشران معا .
إنه يخاطب شخصية الإمام ع في هذا البيت قائلا من شدة تمسكك بالحق ياسيدي أصبحت مثلا يحتذى عبر الأجيال إلى يوم القيامة لأن شرعتك هي شرعة الله ورسوله الكريم ص وسيحشرك ربك مع هذا الحق المبين يوم القيامة لأنك ميزان الحق، وأقضى أهل الأرض بعد رسول الله ص كما شهدت كل المصادر التاريخية بذلك ومنها:
( أفرض أهل المدينة وأقضاها علي بن أبي طالب . ) من تأريخ مدينة دمشق لإبن عساكر عن إبن مسعود ج3 ص35 رقم 1065
ومن شدة عدالته الفريدة إنه ع أبى أن يسكن قصر الإمارة الذي كان معدا له بالكوفة لئلا يرفع سكنه عن سكن الفقراء الكثيرين الذين يقيمون في بيوتهم البائسة ومن كلامه هذا القول الذي انبثق عن أسلوبه في العيش انبثاقا :
(أأقنع نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ؟ . ) نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح : ص323 . ويقصد بذلك فقراء أمته.
فهل يتعظ من يدعي في هذا الزمن أنه من الموالين لعلي بن أبي طالب ع ويتعدى على حقوق المسلمين، ويأكل أموالهم بالباطل بشتى الطرق اللاأخلاقية ؟
ويستمر الشاعر الألمعي عبد الباقي العمري في قصيدته ليعلن على الملأ فضائل ومناقب هذا الإمام العظيم الذي حاربته أمته في تلك اللغة الشعرية الأخاذة، وفي تلك الانسيابية الباهرة، وفي تلك البلاغة المحكمة الصادقة التي تأخذ بالألباب وتبهر النفوس وتعطر الأنفاس وتنور القلوب بفيوضات جليلة عابقة، وهي لاتختلف في قوتها وسبكها وسموها ودلالاتها الإنسانية والجمالية والبلاغية عن قصيدة الجواهري الكبير (آمنت بالحسين ) التي يقول في مطلعها :
فداء لمثواك من مضجع
تنور بالأبلج الأروعِ
بأعبق من نفحات الجنان
روحا ومن مسكها أضوعِ
ولا غرابة أن يرتقي شاعران كبيران بلغتيهما الشعرية العالية في مدح أمير المؤمنين ووصي رسول العالمين ص شهيد الإسلام علي بن أبي طالب ع وإبنه الحسين الشهيد السبط شهيد الطف وسيد شهداء شباب أهل الجنة ع فكلاهما من شجرة واحدة هي شجرة النسب المحمدي الوارفة الظلال إلى يوم القيامة.
ويتطرق الشاعر عبد الباقي العمري في أبيات القصيدة الأخرى إلى صفات إنسانية جليلة تميزت بها شخصية علي بن أبي طالب ع حيث يتطرق إلى تلك الحقيقة الثابتة وهي إنه ع أول من صلى مع النبي ص ويتطرق إلى الكساء الذي درع به رسول الله ص علي وفاطمة والحسن والحسين ع و كذلك إلى المؤاخاة يوم قال له النبي (أنت أخي في الدنيا والآخرة ) ويتطرق إلى مبيته ع في فراش الرسول ص و إلى نهج البلاغة الذي احتوى تلك المعاني الدرية من خطاباته وحكمه ع وإلى معركة صفين الذي ظهر فيها خبث أعدائه ومكرهم وسموه وإنسانيته في أصعب الظروف وهي ظروف الحرب مع غادرين ناكثين للعهود. ولا ينسى الشاعر كيف طلب رسول الله ص أن يضع الإمام ع قدمه على كتفه الطاهر ليحطم الأصنام التي عبدت من دون الله لقرون طويلة وبتلك العملية الشجاعة التي أوكلها رسول الله ص لصفيه ووليه علي بن أبي طالب ع بزغ فجر الإسلام كلسان الصبح ألى أن يقول :
وجوهر المدح في علياك رونقه
بلبة الدهر في لألائه نصعا.
و(اللبه ) بفتح اللام وتشديد الباء المنحر وموضع القلادة . فهو يقول إن مدحك ياأمير المؤمنين كأنه الدر النضيد الذي تحتويه القلادة على منحر الدهر وهي بلاغة رائعة تميزت بها قصيدة الشاعر العمري في حق علم الإسلام الخفاق علي بن أبي طالب ع الذي اكتملت فيه كل الفضائل. للبحث صلة.
https://telegram.me/buratha