زيدون النبهاني
يقول السيد الخميني (قدس)، "كنتُ أتوقع قيام الحُكم الإسلامي، في العراق قبل إيران، وذلك لما شاهدتهُ من تحول كبير، في أوساط الأمة".
إن السيد الخميني (قدس) وصفَ حالة الأمة في عصرِ الإمام محسن الحكيم (قدس)، ومشروعهِ الإصلاحي الكبير الذي صَنعه، في ظروفٍ صعبة مِن تأريخ العِراق والمنطقة، إسلامياً وسياسياً، وفي هذه الظروف المُستحيلة، ولِدَ مشروع الإصلاح، ليحملهُ السيد مُحسن الحكيم على عاتِقه، وليكون فيما بَعد الحركة الأكثر تأثيراً، في رسم حُرية الشعب العِراقي..
مِن هذا المَشروع الإصلاحي، بزغَ نَجمان مُضيئان، باقِر الصدر وباقِر الحكيم (قدس سرهما الشريف)، ليشكلان سويةً محور الحركة الفعلية، التي أبتدأت في إنتفاضة صَفر عام ١٩٧٧، ولم تنتهي بتحرير العراق من البعث عام ٢٠٠٣.
إنَّ فكرة المشروع بُنيت على أسسٍ سليمة، دَرست واقع العِراق، شعبهِ وتربته وسماءه، وربطتهُ بالقيم المثلى للإسلام، فكانت محط إهتمام اهل الدين والثقافة، لتنطلق بعيداً في فكر الرفض للظلم، وتكون الحركات الإصلاحية للشهيدين مصدراً منفرداً لإزعاج النظام البعثي.
حَق الحياة، الإيمان بتعددية المكونات، حُرية الشعب في إختيار الحُكمِ والحاكم، إعمار البلدِ وإزدهاره، كلها مفاهيم ركز عليها المشروع الإصلاحي للسيدين، فكانا أول من لبى فضيلة الجهاد في سبيل تحقيقه، وترسيخه مفهوماً لا ينتهي برحيلهما، وهذا ما حَصل..
لحظة إغتيال الشهيد الصدر (قدس)، مثلت إنعطافاً مهماً في تأريخ الحركة الإصلاحية، فهناك حطم الصنم البعثي نفسه، وإنكسرت هيبته، فقتل شخصٌ مُلهِم مثل السيد الصدر (قدس) لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال؛ قتل مشروعه، فقد أصبحت قوى المعارضة والحركات الشعبية، أكثر إلتزاماً بمشروعه، وأكثر قرباً للخلاص من العفالقة.
أستمر المشروع وتنفس، فتشكلت لأول مرة في تأريخ العراق السياسي، معارضة حقيقية، تتبنى الجهاد المُسلح والحراك السياسي في آنٍ واحد، حتى نجحت في كسر شوكة الدكتاتورية، وتنفست بغداد وقتها هواء الحرية.
الزخم الشعبي والوطني الذي خلقه السيد الحكيم (قدس)، بعد وصوله أرض العراق، كان مقلقاً لأعداء عراق ما بعد صدام، فالرصانة في الحديث كانت حاضرة، كما حضرت الفطنة والذكاء، في خطاب السيد الحكيم.
الشعب حُر بإختياراته، ولا وجود لحاكم أجنبي يبيح مشروع الإحتلال، الشعب هو من يختار طريقة الحكم، يصوت على دستور وطني، يُرشح وينتخب حاكميه، كل هذا كان جزءاً يسيراً من مشروع السيد الحكيم (قدس)، للعراق ذو السيادة الوطنية، وهو ما قابله المحتل بسيارات مفخخة، إستهدفت جسده الشريف، لتتناثر أشلاءه كما تمنى محتضنة شعبٍ مظلوم.
بعدَ فقدنا الحكيم (قدس)، مرت علينا أيامٌ سوداء، طائفية وإرهاب، وتمسك من ليس أهلٌ للحكم بالحكم، ليبدأ مرةً أخرى مشروع الإصلاح ذو الجذور البعيدة بالظهور، إستكمالاً لحركة السادةِ الشهداء، فبنيت العملية الديمقراطية، وشرع الدستور، وشارك الشعب لأول مرة، في عملية الحكم.
بعد سنواتٍ من رحيل الشهداء الكبار، يمر العراق مرةً أخرى بمحنة سياسية، تتعلق بأليات الحكم وكيفيته، ووسط تزاحم الإطروحات، يبقى صوت المشروع الإصلاحي للسيدين يتنفس الواقع، فها هم المُصلحون لا يختصرون بزمن، ونحن حتى إن غادرنا طريقهم، يبقى ذاك الطريق خلاصنا الدائم، لماذا إذن نحيد عنه؟!
https://telegram.me/buratha