لم يكن العراق الدولة الاولى أو الوحيدة في تعرضه للحروب وللاحتلال من قبل قوات أجنبية، ولم تكن المرة الاولى في تأريخه القديم أو المعاصر. الا انها المرة الاولى التي لا تستثمر فيها أحداث بمثل هذه الجسامة في توحيد الصفوف ونسيان الخلافات، وجعل تلك الأحداث سببا واتخاذها سلما لعملية بناء وتطور ونهوض وصحوة وعلى كافة المستويات والأصعدة.
فالكوريون والفيتناميون ومن قبلهم الألمان واليابانيون وغيرهم هزتهم نكبات الحروب وصهرتهم ويلات الاحتلال فصنعوا منها قواعد للنهوض والتحدي والمطاولة حتى فاقوا مراتب محتليهم تطورا وظاهوا مصاف أعدائهم مكانة وتقدما. وها هو العام الرابع عشر يدشن دخوله وعملية التغيير تراوح مكانها بسبب الخلافات التي واكبت عملية سقوط السلطة السابقة وظلت عالقة دون حسم، مع ان الجميع يسعون الى اقامة نظام ديمقراطي تعددي حر.
ان مسؤولية تعثر العملية السياسية تقع على عاتق جميع الأطراف المشاركة فيها والمعارضة لها فالتعنت والتزمت والاصرار على الخلاف لا يجدي ولا يؤدي الا الى مزيد من الإرباك والتعطيل للمشروع الوطني حيث ان طرح بعض التنازلات من هذا الطرف أو ذلك لا يخدش بالوطنية ولا يمس الكرامة طالما كان الهدف الكبير هو انجاح العملية السياسية والتوجه لمرحلة البناء والاعمار وتوحيد الجهود لدحر الهجمة الارهابية الشرسة والمحافظة على ما تحقق من انجازات. فالعراقيون بكل أطيافهم وتوجهاتهم وحركاتهم السياسية لديهم الكثير من الأهداف التي يتفقون عليها مثلما لديهم من الاهداف ما يختلفون عليها لكنهم يقفون جميعا مع مشروع بناء العراق الديمقراطي الموحد.
ان مبدأ التوافق الذي تواضعت عليه الكتل المشاركة يسهم في تسوية وحل الكثير من الاشكاليات وتجاوز العقبات ولذا يتوجب استثمار هذا المبدأ والتعجيل بحل كل المشاكل العالقة أو المعرقلة لعملية البناء والاستقرار. فمن غير المعقول- وبعد مضي ثلاثة عشر عاما على سقوط السلطة السابقة- استمرار دائرة العنف وتعطل المشاريع وغياب سطوة القانون والنظام برغم احتضان العالم للتجربة العراقية وتعامله مع الحكومة الوطنية على انها حكومة حضارية تسهم في استقرار المنطقة وتسعى لتثبيت قواعد نظام تعددي يخدم شعبها ويعزز وحدته الوطنية في اعمار وطنه الذي دمرته الحروب والسياسات الخاطئة.
https://telegram.me/buratha