لاشك ان دور الاحزاب والقوى السياسية في الازمة هو دور كبير واساس.. فمن السهل التملص والقاء المسؤولية على الاخرين، وعلى المؤامرات والانظمة السابقة والقوى الخارجية.. وهذا امر مضحك مبكي.. فنحن لا نقلل من المؤامرات وتراكمات الماضي والتدخلات الاجنبية واستهدافها المستمر للنظام القائم.. لكن نقول ان التحجج بذلك هو حجة اضافية على القوى السياسية والاحزاب وليس ذريعة تتذرع بها.. فاذا لم يكن واجب الاحزاب مواجهة هذه المؤامرات وتفكيكها واحباطها، فما هي واجباتها اذن؟ واذا لم يكن واجب القوى السياسية تعبئة الشعب، وحماية حقوقه، وتحقيق مصالحه وتوفير الخدمات له، وتعزيز التفافه حولها، فما هي واجباتها اذن؟ واذا لم يكن واجب القوى السياسية والاحزاب توحيد الصف، لا تمزيقه كما تفعل، واذا لم يكن واجب القوى السياسية والاحزاب حشد الحلفاء والاصدقاء في الداخل والخارج، لا البناء على الخلافات، فما هي واجباتهم اذن؟
واذا تجاوزنا الايجابيات والمكاسب التي تحققت، لنقف عن الاخطاء والسلبيات فنقول.. ان الاحزاب والقوى السياسية –ونحن منها- تتحمل المسؤولية في عدم ادارة الدولة بالشكل الراشد والمنهج السليم الذي تتبعه التجارب الناجحة.. وفي عدم تفعيل الدستور والعمل المؤسساتي.. وفي عدم اتباع مناهج الاصلاح طوال 13 عاماً، لنراكم على اخطاء وسياقات الماضي البائسة، اخطاء وسياقات ممارساتنا وخططنا الجاهلة والفقيرة والتي برهنت الايام ان هذه الخطط لم تقد سوى الى زيادة ترهل الدولة وفسادها وعجزها عن حل اي اشكال حقيقي، او القيام باي اصلاح جدي. فالمشكلة ليست في الاشخاص بل في المناهج والنظم.. وعندما تكون المناهج والنظم صحيحة.. في تنشأة اجيالنا، وفي استخدام طاقاتنا، وفي ادارة مؤسساتنا، فان الاشخاص سيأخذون مواقعهم بشكل صحيح، وستتمكن الانظمة والمناهج الصحيحة من فرز العاجزين والفاشلين وغير الاكفاء.. فها هم شبابنا وشاباتنا يغادرون البلاد ويعملون في مؤسسات في الخارج تعمل وفق الانظمة والمناهج الصحيحة فيتقدمون على اقرانهم، رغم ان الكثير منهم كان مهملاً عندما كان يعمل في منظومات فاشلة. فالاصلاحات منهج ووقت وتراكم بناءات وارتباط حلقات ولا يمكن تحقيقه لا بالاماني ولا بالخطط غير المدروسة.
مقابل ذلك كله، نقف اليوم في مفرق طرق.. فالبعض يقول لنغير كل الطبقة السياسية.. واخرون يقولون لنغير كل القوى السياسية والاحزاب.. ولعمري هذا رأي اخطر من المؤامرات واخطر من الاعمال التي قامت بها القوى السياسية والاحزاب. فهل الطبقة السياسية سلعة ونستوردها.. ومن هي الاحزاب والقوى السياسية التي سنضعها بديلاً للقوى الحالية. فاذا كانت الاخيرة موجود وقائمة فلماذا لم تبرز وتسجل حضوراً لافتاً في الانتخابات؟ واذا قيل ان الانتخابات كانت مزورة فلماذا لم تسجل حضوراً لافتاً وضاغطاً في الفعاليات.. ونحن نعلم جميعاً ان فعاليات الشارع اليوم فيه عدة قوى معروفة ومحترمة ساهمت في جميع الانتخابات، ولها ممثلون في البرلمان والحكومة، وابرزهما التيار الصدري والتيار المدني.
اذن من هي الطبقة الجديدة والقوى السياسية البديلة؟ سنقف امام سؤال لا جواب عليه الا بكلمات غامضة ومسميات لا واقع لها على ارض الواقع. فالقوى السياسية والاحزاب التي قادت البلاد الى هذه الازمة، من واجبها اليوم ان تقدم الحل.. والحل هو مزيج من ضغط الرأي العام لكي تصلح الاحزاب نفسها، وتصبح خادمة للشعب لا قيّمة عليه.. وتعيد تقييم تجربتها الماضية لتتخلص من الكثير من الاورام والمناهج الخاطئة التي تراكمت لديها.. والعمل وفق مناهج تصلح اوضاع الدولة والمجتمع والانسان.. وتضع البلاد على سكة التطور والانطلاق، ومحاربة الارهاب والفساد والترهل والفقر والجهل والمرض والتخلف والبطالة، والتخلص من عبودية النفط، واطلاق نشاطات القطاعات الحقيقية وتوفير فرص العمل وزيادة القيم المضافة. هذا من جهة ومن جهة اخرى الالتزام بالشرعية والدستورية والعودة الى النظام البرلماني والى تشكيل اغلبية حاكمة عابرة للطوائف، بعيدة عن المحاصصة، لا دور فيه للاحزاب والقوى السياسية الا في مساحاتها المسموحة، ونقصد بها المجالس التشريعية والتنفيذية والعمل الاجتماعي والجماهيري..اما خارج ذلك -في الدولة او المجتمع- فالجميع سواسية ومواطنون لهم ذات الحقوق الخاصة والعامة، يحصلون عليها دون هويات حزبية ورشاوى ووساطات.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha