الاستقالة.. لماذا رسائل 24 اذار؟
في لقاء ثنائي جرى يوم 23 اذار الجاري مع مسؤول رفيع المستوى، كنا نبحث الازمة السياسية والفراغ الذي تحدثه، مما يهدد مصالح البلاد العليا ومؤسسات الدولة، وخطورة طرح امور كبيرة وتركها معلقة ليصبح الحديث عن مآلاتها المقلقة والتصرف وفقها هي السياسة اليومية والشأن الاهم وحديث المواطنين والمسؤولين والاعلام بل الدوائر الدولية، مما فتح ويفتح شهية الانتهازيين والطامعين والمضاربين واعداء البلاد لاستغلال هذا التلكوء والانتظار الطويل، واستغلاله لزرع الانقسامات واشكال مختلفة من التسقيط، تصل في مجملها الى تفكيك العملية السياسية، والسلوكيات والمؤسسات الدستورية، كل ذلك في وضع تحتاج فيه البلاد وقواتنا المسلحة -بمختلف عناوينها- الاطمئنان ان جبهتها الخلفية ومركز قراراتها وتعبئتها داعمة وموحدة وغير منشغلة بامور تلهيها عن مهامها الاساسية.
ولأنه لم يكن بين المسؤول الرفيع المستوى وبيني محضر او تسجيل، لذلك انقل السياق العام للحديث باقرب ما يكون لما سمعته. قال محدثي المسؤول الرفيع المستوى، انه التقى احد كبار المسؤولين المعنيين بشأن التغييرات الوزارية.. وقال له محدثي ماذا انتم فاعلون؟ اجابه المسؤول المعني بان الرأي الذي تقرر مؤخراً هو الذهاب الى التغيير الشامل.. فأشكل عليه محدثي بان ذلك سيتطلب استقالة الحكومة بمجملها وموافقة مجلس النواب.. فرد عليه المسؤول المعني، نعم المشكلة هي في مجلس النواب.. فساله محدثي ماذا انتم فاعلون؟ فجاءت الاجابة، هناك تفكير بحل مجلس النواب.. فأشكل عليه محدثي بان الدستور لا يسمح بذلك.. فجاء الرد هناك مادة تسمح بذلك.. فاشكل عليه محدثي ان هذه المادة سبق وطرحت ورفضت.. فاجابه المسؤول المعني اذن لابد من تجميد الدستور.
كنت قد سمعت مثل هذا الكلام من مصادر اخرى، لكن ان اسمعه على هذا المستوى المباشر والرفيع، شيء اخر، فما العمل؟ هل انقل الامر للسيد رئيس مجلس الوزراء، فيكفي ذلك للقيام بواجبي وابراء ذمتي من المسؤولية ومن اليمين الدستوري الذي اديته؟ ام اذهب الى "التحالف الوطني" ام بقية القوى السياسية لاعلن ماذا يجري في الكواليس من افكار خطرة، فتتفجر نقاشات لها اول وليس لها اخر؟ ام انقل الامر للتيار الذي اعمل معه، فيقال ان المسألة لا تتعدى صراعات حزبية؟ فلم اجد جهة اسرع واكثر اماناً من الرأي العام. لذلك اطلقت رسائل الاستقالة وترتيباتها، مع حرص شديد على التمسك بالقانون وعدم ادخال الارتباك في عملنا او عمل غيرنا الرسمي.
فاستقالتي في 8/9/2015 تم اهمالها، ولم اتلق عليها جواباً، رغم اعادة نشرها علناً في 24/2/2016.. كذلك الامر بالعديد من المداخلات والملاحظات التي نبديها او يبديها غيرنا من مسؤولين، والتي تدخل القناعة وكأن هناك مساراً محدداً نسير به، وباننا اصبحنا مجرد ادوات او غطاء لهذا المسار غير المقبول والمحفوف بالمخاطر. فقمت بما قمت به، دون ان اعلم احداً.. فلم اطرح دعوة للزملاء الوزراء للاستقالة او لعدم حضور اجتماعات مجلس الوزراء.. ولا ادعوهم للخروج عن اي سلوك غير نظامي او دستوري.. فموقفي موقف فردي اتخذته دون اطلاع احد خوفاً من الاشكالات.. واردت دق جرس انذار اخر ليس الا.. خصوصاً وان موضوع التعديل الوزاري قد طُرح في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 15/3/2016 وصدر بيان عن الامانة العامة به، والذي يناقض تماماً ما سمعته من محدثي في اللقاء الثنائي.
يتحجج البعض ان الدستور فيه ثغرات او ان القوى السياسية تعرقل الاصلاحات او ان مجلس النواب هو عثرة في الطريق، وهذا كلام يرد بنفسه على نفسه.. فالكل –من السيد رئيس الجمهورية الى النواب واعضاء مجالس المحافظات والحكومات المحلية والدرجات الخاصة والهيئات والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية- نتاج هذا الدستور، والعملية السياسية والانتخابية ومجلس النواب والقوى السياسية. والاعداء –يتبعهم الغاوون- يعرفون ذلك، لذلك شعارهم ازاحة الجميع، بهدف اسقاط كل شيء. فكيف لا يدرك اصحاب المسؤولية والعقلاء ذلك؟
لا حل لهذه الازمة -او غيرها- سوى التمسك بالشرعية والدستور وسياقاته.. والا سنضع البلاد على عتبة الانقلابات والثورويات والفردنة والفوضى، التي كلفت البلاد اكثر بكثير مما يكلفه الصبر والعودة الى الشرعية والسياقات الدستورية والعمل المؤسساتي.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha