المقالات

سياسة بعض الاحزاب والعقد التاريخية

1651 21:24:11 2016-02-19

من البديهيات المعروفة ان المؤرخين هم الذين يشغلون انفسهم بالتاريخ، في تسجيل وقائعه ومناقشة صحتها وكيفية حدوثها، والعلل التي كانت وراء حدوثها، وما ترتب عليها من نتائج ثم ما هي العبر المستخلصة من كل ذاك... ويبلغ انشغال المؤرخين في الماضي حداً ينسيهم الحاضر وما يمور فيه.... فيروى عن العالم الجليل مصطفى جواد، رحمة الله عليه، والذي كان لغويا ومؤرخاً وآثاريا في الوقت عينه، يروى عنه: ان سئل ذات يوم عن مدير أو صاحب الشرطة في عهد المأمون فكان ان ذكر اسمه حتى جده السابع، وطبيعة شخصيته وطريقة ادارته، ولكن المرحوم مصطفى جواد عندما سئل عن مدير الشرطة العام في العصر الجمهوري ( الزاهر ) فانه قال:
لا اعرفه...
وهكذا فان الماضي يستل الحاضر من المورخ في معظم الاحيان...
أما في العراق فان هيمنة التاريخ لا تقتصر على المؤرخين بل هي شاملة لكل الجموع وهي اشد عليها وطاة من هيمنة ( الامبريالية)...
فالناس يختلفون حول وقائع التاريخ.
ويختلفون حول اسبابها...
ويختلفون حول النتائج التي ترتبت عليها...
ويملأون الصحائف والمقاهي والندوات واللقاءات العامة والشخصية جدلاً حول ذلك كله...
كل له تفسيره ويشكل المتعصبون لوجهة نظر معينة فئات اجتماعية تتمترس حول التاريخ....
بل ان الامر قد وصل بنا الى الحد الذي أصبحنا فيه نقاتل بعضنا حول ما حدث قبل اربعة عشر قرنا من الزمان، وتسيل الدماء مدراراً..... فنحن نناقش من كان احق بالخلافة الأمين أم المأمون ولم نناقش من احق بالوزارة بعد ان ياس الشعب .. وعلى تعبير الملا عبود الكرخي رحمه الله
يا هو الزعيم وحقّلي لورنس لو شوكت علي؟

كما ان بعض احزابنا العتيدة تتمحور في عقائدها، ومناهجها، وبناها التنظيمية، حول التاريخ، وتستمد منه، وليس من الحاضر، مبررات وجودها، وما يميزها عن غيرها، بل انها لا تختار من الاسماء احياناً الا ما كان معتقاً في اقبية التاريخ.

اما الحاضر فيبدو اننا في غنى عنه، فلا يهمنا كم ميغاوت من الكهرباء يحتاج العراق، ولا كم سرير للعلاج، أو رحلة للدراسة، ولا كم كيلو متر من الطرق والسكك الحديدية علينا ان ننشيء، ولا كيف نربي اجيالنا على التلاؤم مع العصر ومعطياته، ولا كيف نردم الفجوة التي تتسع ساعة بعد ساعة بيننا وبين عصر ما بعد الصناعة وهو العصر الذي اسماه ( برجنسكي) قبل سنين العصر التكنوتروني، أي العصر الذي يقوم على تكنولوجيا الالكترونات. بل ان احزابنا تزيد الفجوة بيننا وبين القرن الحادي والعشرين اتساعاً بنكوصها الى الماضي لتستمد منه مقومات بقائها... نعم ان في التاريخ عبرة لمن يعتبر لكن الغرض من دراسته هو كيف نتجنب اخطاءه... فالتاريخ لا يعيد نفسه لكن الذين لا يقراون التاريخ يرتكبون الاخطاء ذاتها.
ونعم، ايضا، ان التاريخ اساس ولكن الفائدة من الاساس هي ان يبنى عليه لا ان يتوقف العمل عنده ( او عند الوصول الى البتلو على حد تعبير الاسطوات )....

وفي الجانب الاخر هناك بعض الاحزاب والقوى الوطنيه المخلصه كانت مصيبة وشجاعة عندما تجاوزت الماضي وعقده، وتخلصت من أدران الزمن الفائت، واذ استمدت من التاريخ الثقة بقدرة الامة فانها لم تتوقف عند ذلك بل هي تعيش الحاضر بكل ارهاصاته، وتستنبط الحلول لمشاكله، وتعيش هموم الشعب، وتشخص حاجاته، وتسير معه في اماله.
والحق اقول: ان علينا ان نخلص اقدامنا من وحل العقد التاريخية، وان ننفض عنا غبار الازمنة الغابرة، وان نفك قيود الماضي عن معاصمنا، ولا يهم كسرنا القيود ام كسرت ايدينا... فأن نسير نحو المستقبل معوقين خير من نواجهه مكبلين.
فلنفتح شرفات العقل ونوافذ الروح للشمس و رياح العصر والا سنكون مثل اهل الكهف" َتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ".
غير اننا لم نزدد هدى كما زادهم سبحانه وتعالى.....


الدكتور
يوسف السعيدي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك