يعتبر العراق من البلدان المتوسطة الدخل.. وخلافاً لكثير من الدول لم يستثمر العراق خلال نصف القرن الماضي ثرواته النفطية او المائية او الطبيعية او البشرية كما يجب، بل سار اكثر فاكثر في طريق الحروب الداخلية والخارجية، وسياسات الانفاق العبثية، والابتعاد تماماً عن الاساليب الطبيعية والصحيحة في انماط العيش وتوليد الثروات، فنتج عن ذلك كله نظاماً عاطلاً لا يمكنه العيش ان انقطع عنه شريان النفط، ومجتمعاً بطالاً لا يعمل.
اذا استثنينا كردستان لعدم وجود ارقامها تحت ايدينا، التي لا تختلف كثيراً عن بقية العراق، واذا ما تكلمنا بالعموميات لتسهيل الطرح، واردنا احتساب القطاعات المستهلكة وغير المنتجة من شعبنا، فيمكننا ان نبدأ بقطاع تلاميذ المدارس والذي تعداده 9 مليون تلميذ وطالب تقريباً.. يضاف اليه طلبة الجامعات والذين يقدر عددهم بـ650 الف طالب، فاذا اضفنا المدرسين والمعلمين والاساتذة فان القطاع التعليمي سيمثل 10 مليون مواطن تقريباً. اما قطاع الموظفين والمتقاعدين، بما فيهم القوات المسلحة فيصل تعداده الى حوالي 7 مليون موظف ومتقاعد تقريباً، وهذا ايضاً قطاع اداري، او غير منتج في غالبيته الساحقة. وتبلغ نسبة من هم دون سن المدرسة حوالي 12% من السكان، اي حوالي 4 مليون نسمة. ويمكننا تقدير عدد الشيوخ من هم خارج سن العمل من غير المتقاعدين، وربات البيوت اللواتي لا عمل لهن، والمعاقين والسجناء، الذين تقدرهم بيانات وزارة التخطيط بحدود 25% من السكان، اي 8 مليون نسمة.. فاذا جمعنا الارقام اعلاه فسنصل الى حوالي 29 مليون نسمة، اي حوالي 90% من السكان البالغ عددهم حوالي 32 مليون نسمة، بدون كردستان.. فاذا اضفنا عدد العاطلين فعلاً عن العمل، فاننا سنصل الى مجموع السكان.
اردنا –عبر الارقام اعلاه- اعطاء صورة تقديرية سهلة الفهم لحجم المساحات غير المنتجة.. ونؤكد ان الواقع ليس بعيداً عن ذلك.. وهدفنا كشف الخلل الكبير الذي ان لم يحل من اساسه فسنستمر في توليد مجتمع عاطل ودولة مترهلة غير منتجة تشكل بيئة للفساد والهدر والتخلف، ستنمو باستمرار وتزداد صعوبة حلها.. فنحن نظام لا ينتج بالمعنى الحقيقي للكلمة.. وان من ينتج ثروة العراق لا يمثل اكثر من 2% من السكان اي حوالي 120 الف عامل.. اما بقية النشاطات الزراعية والصناعية فهي لا تشكل ايضاً سوى نسبة قليلة، ناهيك عن ضعف انتاجها.
فهناك خلل خطير في مجمل نظامنا ونشاطات شعبنا.. هناك خلل في نظامنا التربوي والتعليمي، وتوجهه نحو الشهادة كاساس للتعيين الوظيفي، وليس نحو الخبرة والمهنة والعمل والتخصص في مصادر الانتاج المولدة للثروات.. وهناك خلل في نظامنا الوظيفي وتوجهه اساساً نحو الادارة والبطالة المقنعة والقدم والترفيع وليس نحو انتاجية المصالح والخدمات التي تديرها.. وهناك خلل في نظامنا الامني الذي يعتمد على العنصر البشري، قبل العنصر التقني والفني.. باختصار هناك خلل في اسس نظامنا واولوياته.. والمطلوب تصحيح ذلك ان اردنا الاصلاحات الجدية.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha