ينبغي في البدء ان نفرق بين الاسلام كدين معصوم لايقول التأويل او التفسير ، كونه حمل رسالة سماوية ، ومنهج الهي واضح (القران الكريم ) ، وبين الإسلاميين كاسم او شعار او منهج ، لان هناك خلافاً كبير بين النهج والمنهج ، فالسياسيون الاسلاميون الذين حكموا العراق بعد سقوط النظام العلماني سواء من السنة او الشيعة ، لم تتطابق خطوات او اُسلوب او سلوك مع النهج الاسلامي ، مرة كونهم بعيدين عن هذا المنهج ، ومرة لا يمكنهم تطبيق هذا النهج مع وجود المغريات في الحكم والسلطة ، لهذا لا يمكن إلقاء اي فشل في اي تجربة للاسلاميين بانه فشل للاسلام كدين ومنهج .
هناك هجمة واستهداف للمنظومة الاسلامية عموماً( المرجعية الدينية ، الحركات الاسلامية ، الحشد الشعبي ، وعموم العملية السياسية الجارية في البلاد ) ، وهي مقصودة وموجهة للمنهج الاسلامي في العراق ، خصوصاً الحالة الاسلامية الشيعية ، والتي تبنت الحكم في العراق بعد سقوط النظام ، وهناك اجندة معدة لاسقاط التجربة التي يقودها الاسلاميون ، وتصوير المشهد على انه فشل ذريع للاسلاميين في قيادة البلاد ، مع العلم ان النظام القائم لا يمكن عده نظاماً اسلامياً ، وإنما هي تجربة عبرت عن جميع الاطياف والالوان ، ولابد من الاعتراف أيضاً انها تجربة شابها الكثير من الخلل والعطل في المثير من مفاصل الدولة ، والذي بدوره انعكس على تجربة الإسلاميين بشكل عام ، كما ان الأجواء الديمقراطية التي سادت الوضع السياسي العراقي بعد السقوط ، كان بيئة جيدة لولادة الكثير من الاتجاهات والتيارات المختلفة بدون اجندات واضحة وروية واضحة لها ، مما شكل وضعاً غريباً في البيئة السياسية ، الامر الذي شكل تدافعاً غير مسبوق وغير منضبط وصراع على المكاسب المالية والسلطة .
ربما فترة الثلاثة عشر عاماً ليست بالفترة الكافية لتقييم حكم الإسلاميين خصوصاً مع وجود التحديات الخطيرة والكبيرة التي رافقت هذه الولادة الجديدة ، من ارهاب واقتتال طائفي ومفخخات راح ضحيتها الالاف من الأبرياء العزل من الشعب العراقي ، وآخرها الارهاب الداعشي الذي كان امتداد لهذه الاجندات واداة لتغيير خارطة العراق خصوصاً والمنطقة عموماً، كما ان التداخلات والعراقيل وازمة الثقة بين المكونات السياسية ، كان احد اسباب تراجع الإسلاميين وفشل تجربتهم ، وتحول الديمقراطية الى حكومة المكونات لا حكومة ديمقراطية تحمل عنوان الكفاءة والنزاهة بين أسطرها ، وهذا ما ولد صراعاً وتصادماً بين هذه المكونات من جانب ، وبينها مجتمعة وبين الحاكم الذي لا يملك الروية والإدارة الصحيحة والمستندة على مهملة الدستورية في حكم البلاد .
كما ان التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي كان سبباً مهماً في تراجع الإسلاميين ، لان الحكومة كان ينبغي لها ان تكون الراعية لكل المكونات وردم اي هوة بين مكونات الشعب الواحد ، ويبقى الاعتزاز بالعقيدة والمذهب شي شخصي ، ويبقى الجميع يعيش تحت خيمة العراق الواحد ، ولكن نجد البعض استخدم سلطته لتعزيز التفرقة بين ابناء الشعب ، وتعزيز الصراعات الداخلية ، والنفخ في نار الطائفية لتحقيق غايات سياسية وأجندات خارجية ، الغاية منها ادخال البلاد في نفق مرعب ومظلم لا يمكن الخروج منه الا بهلاك شعبه او تحقيق الاجندات والاهداف المرسومة ، كما هو المراد الان في تقسيم البلاد على اسس طائفية او قومية ، وكل هذا يحصل تحت ظل حكومة الإسلاميين ، وهذا ما يعد علامة فاصلة وخطيرة في حكم الإسلاميين بالعراق .
اعتقد ان الدوافع أصبحت واضحة المعالم في تسقيط التجربة الاسلامية ، وهي الإيحاء ان التجربة الأسلامية أصبحت غير مرغوب بها ، ومرة يكون الاستهداف من جهات داخل المنظومة الاسلامية ولأهداف سياسية وانتخابية ، ومرة يكون الاستهداف من المنافسين الآخرين وتصوير المشهد بصورة سوداوية قاتمة لاتحمل اي شي من الامل او النجاح ، كما ان الشي المهم ان اغلب الذين وصلوا الى الحكم من الاسلاميين لا يملكون خبرة في الحكم كما انهم لم يمارسوا الحكم من قبل ، كما ان عدم وجود الروية الواضحة عند البعض من الاسلاميين جعل السواد الاعظم منهم يظهر بمظهر الفاشل ، مع توفر اسباب هذا الفشل من تراجع في جميع الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية .
اعتقد من الضروري الشروع بوضع منهاج واضح للحكم ، مع روية أوضح في ادارة موسسات الدولة ، والسعي من اجل بناء الدولة على اساس المهنية والكفاءة والنزاهة ، وتفعيل موسسات الرقابة والنزاهة سواء على المستوى البرلماني او التنفيذي ، ومحاربة الفساد ، وطرد المفسدين ، وارجاع أموال الدولة من بنوك الخارج ، وتفعيل الجانب القضائي ونزاهته ، والسعي الجاد في تفعيل دور الصناعة المحلية والجانب الاستثماري والنهوض بالصناعة والزراعة والتي هي من اهم مقومات نجاح الدولة العصرية الحديثة .
https://telegram.me/buratha