مجزرة مروعة أخرى بحق المصلين الآمنين ينفذها اليوم الارهاب الهمجي الداعشي، مسرحها بيت من بيوت الله، في مسجد "الإمام الرضا عليه السلام" ببلدة "محاسن" في الأحساء بالمنطقة الشرقية في السعودية. وقد ذهب ضحيتها في حصيلة أولية (حتى كتابة هذه السطور) 5 شهداء، إضافة الى 15 مصاباً حسب تلك الحصيلة، وتناقلت وكالات الأنباء العالمية كـ"رويترز" و"الفرنسية" نبأ المجزرة، وكذلك نقل نشطاء على مواقع التواصل (ومنهم شهود عيان) تفاصيل عنها، حيتُ نُقل بأن الهجوم الإرهابي نفذه عدة إرهابيين، استهلوه بتفجير قنبلة عند مدخل المسجد الذي كان يضم مصلين حضروا لأداء صلاة الجمعة، ثم شرع أحد الارهابيين بسلاحه الرشاش بإطلاق النار عشوائياً على المصلين. ونقل شهود عيان بأن الحاضرين قد عالجوا بسرعة الإرهابي الذي كان يحاول تفجير نفسه بحزام ناسف يرتديه، واستطاعوا عرقلته وأوثقوه، ثم سلّموه لعناصر الأمن السعودي الذين حضروا الى موقع المجزرة. وأظهر مقطع فيديو بأن الإرهابي بالحزام الناسف كان حيّاً لحظة تسليمه. وفي مقطع فيديو آخر يروي أحد الشهود العيان وهو في حالة صدمة بعد الحادث، بأن سيارات الإسعاف قد وصلت الى مسرح الجريمة متأخرة كالعادة، بعدما تم إخلاء المصابين بواسطة سيارات الأهالي الذين حضروا عقب المجزرة المروعة..! ونقلت "رويترز" بأن قوات الأمن قد تبادلت إطلاق النار مع إرهابيين. وعلى ذمة "الجزيرة" فان من قاموا بالهجوم 5 إرهابيين، ولم تؤكد ذلك مصادر أخرى! وانتشر مقطع فيديو يُظهر قوات الأمن وهي تطلق عيارات نارية كثيفة في الهواء لتفريق حشود المواطنين المتجمهرين لرؤية الإرهابي (بالحزام الناسف) الذي تحاول تلك القوات إخلاءه من الموقع، وسط هتافات وصراخ الحاضرين من الناجين الغاضبين وذويهم!
كما أظهرت صور ومقاطع فيديو ذات صلة الشهداء والجرحى وهم مضرجين بدمائهم، في منظر يفصح بشدة عن وحشية المجزرة الارهابية التي شهدها المسجد اليوم!
مرة أخرى ينشب الارهاب الهمجي الوهابي مخالبه في لحوم الأبرياء من المصلين الآمنين في بيوت الله في المنطقة الشرقية، وتُذكّر المشاهد التي انتشرت اليوم بمجزرة مسجد "الإمام علي عليه السلام" في بلدة القديح بالقطيف في أواخر أيار المنصرم، وقبلها حوادث مشابهة في الدمّام والأحساء. ومرة أخرى تثبت السلطات السعودية انها أبعد ما تكون عن ادعاءاتها الجوفاء في "حفظ الأمن" و"ردع الارهاب" التي تتبجح بها بُعيد كل مجزرة كالتي حصلت اليوم، والتي تكررت مثيلاتها سابقاً في المنطقة الشرقية، التي يشكل الشيعة الغالبية العظمى من أهاليها. ففي كل مجزرة مماثلة تطلق تلك السلطات وعودها المجانية بـ"ضرب الارهاب بيدٍ من حديد"! ولكن ما ينتج على الأرض هو ان الارهابيين ينفّذون لاحقاً مجازرهم الدموية (كما جرى اليوم) بسلاسة لا تتوفر لهم في أية منطقة أخرى من العالم، ونقل لي أحد الناشطين من أهالي الأحساء بأن السلطات الأمنية لا تسمح بتركيب كاميرات المراقبة المتطورة في المساجد والحسينيات هناك، بما يساعد في رصد أي تحركات إرهابية مشبوهة وتوثيق أي هجوم محتمل! بينما تفرض طبيعة التهديدات القائمة والمجازر المتكررة أن تلجأ السلطات الأمنية الى اتخاذ أبسط الإجراءات الاحترازية، لتجنيب المواطنين تكرار ذات المجازر في مناطق يستهدفها الارهاب بشدة! لكن ما يحدث هو العكس؛ أي تجاهل تلك السلطات (بما يثير الشبهات) لتلك التهديدات القائمة، وعدم تخصيص أي نوع من الحراسة او الحماية الأمنية كما يُفترض في مثل هذه الحالات! وكأن السلطات تعتبر المواطنين هناك "فائضاً بشرياً" يُقدَّم كلقمة سائغة للإرهاب الوحشي الذي تغذيه حواضن الشحن الطائفي والتكفيري في عموم السعودية والخليج!
لن تحيد مجزرة اليوم عمّا مرسوم لها من تلك الحواضن التكفيرية، التي ما فتئت تؤلب ضد الشيعة ومن يناوئ الوهابية في السعودية أو خارجها، ولا تميز بن مسجد للشيعة في الأحساء، أو آخر في بغداد، أو حسينية في البصرة وأخرى في باكستان، ومسجد شيعي في اليمن أو أفغانستان! كما أحرقت المنطقة بنيران الحقد الطائفي التكفيري، الذي نكّل بعباد الله وحوّل بلدان المنطقة الى مرجل يغلي بالأحقاد والتوترات والاضطرابات، وأحالها الى خرائب وأنقاض تضطرم بالنيران المستعرة!
لا مراء بأن السلطات السعودية تتحمل كامل المسؤولية عن مجزرة اليوم والمجازر المماثلة؛ بل وتشارك الارهاب الوهابي التكفيري في كل ما يقترفه، لأن الوقائع والقرائن والأدلة والتسريبات، وكذلك الممارسات السعودية لم تنفك يوماً تكرّس حقيقة انها سادرة في رفد ذلك الارهاب، فكراً وتنظيراً، دعماً واحتضاناً، ويدعو "إمام الحرم المكي" جهاراً الى نصرة "المجاهدين" في العراق وسوريا، يُريد بهم داعش ونظائره، ويدعو ايضاً بالويل والثبور والإبادة ضد مناوئيهم، وعلى رأسهم الشيعة.. هكذا قولاً فصلاً! كما ان سلطات آل سعود أبعد ما تكون عن زعم "توفير الأمن" للمكونات غير الوهابية في السعودية، وبالذات شيعة المنطقة الشرقية، وما يحدث يكشف نقيض ذلك الزعم، فالمشهود هو التضييق على الشيعة والتنكيل بهم بقسوة، وتسليط الارهاب الداعشي ليهددهم وجودياً، كما تمضي تلك السلطات في قمع أي حراك شعبي سلمي، وما جريمة إعدام الشيخ الشهيد "نمر النمر" مؤخراً سوى إعطاء الضوء الأخضر لقوى "إدارة التوحش" الداعشية في ممارسة دورها ومهامها جنباً الى جنب خطط الارهاب الرسمي السعودي في المنطقة الشرقية.
بالطبع ستزعم السلطات السعودية مجدداً بأنها ماضية في "بسط الأمن في أرجاء المملكة"! وهذا بدوره سيتحول الى جرعة تخدير أخرى تعزز التجاهل الرسمي الكامل لكل المخاطر والتهديدات الارهابية التي تحيق بأبناء المنطقة الشرقية، حتى في دور العبادة (كمجزرة اليوم)، التي لم تعد آمنة في مملكة آل سعود، لا في الأحساء ولا في الحرم المكي (مثال ذلك واقعة سقوط رافعة عملاقة أودت بحياة مئات الحجاج في موسم الحج الأخير)!
تجدر الإشارة أيضا الى ان الإرهابي الذي ألقى المصلون اليوم القبض عليه قبل أن يفجر نفسه بحزامه الناسف، كان حيّاً يُرزق كما ظهر في مقطع فيديو انتشر بسرعة، وقد تسلمت قوات الأمن هذا الإرهابي (كما سلف)، فهل ستدّعي انه "مات متأثراً بجراحه" لتطوي صفحته وتنهي أية مسؤوليات تترتب على توقعات بمحاكمته والمطالبة بكشف التفاصيل والملابسات التي ربما تدين الأمن السعودي ذاته، أم ستتحفظ عليه وتغمره بكرم ضيافتها كما كشفت تسريبات جادة في حالات مشابهة سابقة؟! فلم نسمع يوماً ان إرهابياً ممن اشترك في عمل إرهابي ضد الشيعة قد حُكم عليه بأشد الأحكام كما هو متوقع في الأحكام الجنائية، المعروف بتشددها في أبسط الحالات!
بات واضحاً بأن آل سعود ماضون في استرخاص الدم الشيعي، في المنطقة الشرقية أو خارج الجزيرة العربية، بل واسترخصوا دماء كل من يناوئ الوهابية، ولن تكون المجزرة التي وقعت اليوم في مسجد الإمام الرضا (عليه السلام) هي الأخيرة، التي تكشف عمق التخادم بين آل سعود والتنظيمات الارهابية، كتنظيم داعش وتوائمه.
https://telegram.me/buratha